الربع الأخير… من المشهد العربي!

محمد ناصرالدين

لهيب البنادق ليلاً وهيجان المدافع، وتشابك الرصاص بالجثث، ينتهي حتماً بفجر هادئ من التلاقي والهدنة.
اشتداد العاصفة هو بداية هدوء حذر فلا صعود بلا هبوط!

منذ سنة خطت أقلامنا توصيف العقد المشؤوم، الذي ما انتهى شؤومه، وحان الآن موعد المشهد الأخير من السلسلة الأشهر في مأساتها في القرن الحالي !

من سوريا نبدأ، من أشهر حكايا هذا الزمن، وأقذر قصصه، من ياسمينها الذي داسته أرطال الجيوش والمليشيات والعصابات وبائعي الضمير.
الربع الأخير من مشهدها اختار حلب، فهي اللّب الاقتصادي لسوريا، وهي الأقرب لكل مضخات السلاح والحقد. معارك طاحنة لازمت حلب وبلداتها. الرؤية اصبحت ضبابية، لا العقل ادرك ولا العين اصبحت تميز بين ألوان الجيوش فيها. وكأننا في ردهة مظلمة ،تأتي الصفعات من حيث لا نحتسب.
ولأن الفجر الخجول يسبق الليل المثير، رأينا في شهباء المشهد الاخير أو على الأقل الحاسم!
توقع مراقبون أن عاصفة الرصاص، سابقة لعاصفة دبلوماسية باردة الملامح.
الصفعة الاقتصادية التي تلقتها سوريا حكومة وشعباً من خلال قيصر وقانونه، كان المعيار الذي اخترناه في توثيق التحول أدناه.
قيصير هو عزلة اقتصادية لسوريا وهو توبيخ على الطريقة الأميركية الشهيرة في إخضاع الأمم.
من جهة أخرى، انطفأت عسكرياً حدة المعارك وتلاشى غبار المدافع ولأن السياسية هي حصاد كل خراب… كان لا بد من ترقب حذر للمشهد السوري سياسياً ودبلوماسياً، على المستويين الاقليمي والدولي.
الاتفاق العربي الرباعي بين مصر والاردن وسوريا ولبنان هو بالفعل العلامة الفارقة، وهو الربع الأخير من المشهد.هذا الإتفاق ما كان ليحدث لولا توجيهات الادارة الاميريكية عبر سفيرتها في عوكر “دودرثي ك. شيا “. إتفاق أفقد قيصر عذريته، وشكل اعترافاً ضمنياً لسوريا بنظامها الحالي.
الربع الاخير من المشهد اكتمل بعزم دبي والجامعة العربية، احتضان سوريا مجدداً وان كانت ردهات الاستقبال ما زالت باردة.

نحو اليمن…
تصدرت الساحة اليمنية غلاف الجرائد والصحف خصوصاً مع ازدياد التوتر على بعض محاور الاقتتال، الأمر أشبه بتثبيت مواقع وتحصينها وتحسينها، لكن هذه المرة ليس لجولة جديدة من الدم والقتل والهمجية بل لرفع جودة وثائق التفاوض وتعزيز المكتسبات السياسية في الصراع الإقليمي. وبدا لهذا التوتر شيءٌ من الأفول، فالملف اليمني ربما جاء دوره.

سيناريو مكسيكي للبنان؟!
في كل النقاشات والتحقيقات يبقى للملف اللبناني حصة، من حوالي السنتين دخل لبنان أزمة سياسية اقتصادية حادة، تعطلت على اثرها كل مرافق الدولة، وعاش لبنان اسوء ازمة دبلوماسية في تاريخه. توقعات بانفراج قريب للملف اللبناني خصوصاً مع عزم الادارتين الاميريكية والفرنسية على ان لبنان هش لا يصلح لتصفية الحسابات، والتصعيد الخليجي مؤخرا ليس الا دليل على ان الازمة بلغت ذروتها وتتحضر للانحسار خصوصاً مع دخول لبنان الموسم التحضيري للانتخابات.
عادت السودان للواجهة الاعلامية من جديد، خصوصا مع ازدياد التوتر في شوارعها وتنصيب حمدوك رئيسا للوزراء بعد انقلاب عسكري انتهى بتوقيع اتفاق سياسي على تقسيم السلطة بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك. ارتفاع وتيرة الاحداث قابلها موجات دبلوماسية باردة ومباركات أوروبية امريكية خليجية مصرية للاتفاق وسط دعوات لاحياء الحياة الدستورية في البلاد.
في عالم تتشعب فيه مصادر التأثير والقرار، لا مكان للصدف، للانفراج مفاتيحه وللهيب تياراته، لنا التمحيص والافتراض ولله الحكمة في مجرى الأمور.