لم يكن للحسين مافيا تموّله

وسط انشغال اللبنانيين بجنون الدولار والانهيار الاقتصادي والأفق المسدود على كلّ مستويات السياسة والمؤسّسات، مرّ خبر توقيف محمد إبراهيم بزّي، أحد أبرز مموّلي ميليشيا حزب الله، في رومانيا مروراً شبه عابر. فالإرهابي العالمي المصنّف عبر الخزانة الأميركية منذ عام 2018، هو أحد أبرز مديري شبكات الجريمة المنظّمة التي تموّل الميليشيا اللبنانية، وينشط بين أوروبا وإفريقيا وأميركا والشرق الأوسط، بحجم أعمال يصل إلى مئات ملايين الدولارات.

بزّي هو الأخير في سلسلة توقيفات وتصنيفات، لقادة شبكات ميليشيا حزب الله الماليّة، كأيمن جمعة وإبراهيم طاهر وعلي سعادة وأحمد جلال رضا عبدالله وأدهم طباجة وآخرين كثر. وتوقيفه يُعيد إلقاء الضوء على مفارقة ثراء حزب الله كمنظمة إجرامية، في مقابل بؤس اللبنانيين عامّة، وبؤس الشيعة منهم على وجه التحديد ممّن يحتلّون القاعدة الدنيا في هرم جمهوره.

تضحيات الحسين… وأموال بزّي

يتزامن أيضاً توقيف محمد بزّي مع انتشار تسجيل صوتي لشابّ لبناني من جنوب لبنان أرسله إلى صديق له، قبل أن يضع حدّاً لحياته نتيجة عجزه عن تأمين قوت ولديه وزوجته. لا أعرف شيئاً عن مواقف الشابّ المنتحِر، وهي ممّا لا يهمّ في سياق عرض هذا التناقض، بين منظّمة إجرامية شديدة الثراء ومتنوّعة الموارد، تحكم بيئة يدفع بعض أفرادها من لحمهم ودمهم ثمن خيارات سياسية وعسكرية وأمنيّة، أكان أُخذ رأيهم فيها أم لم يؤخذ.

الشيعة مدعوّون بحسب سردية ميليشيا حزب الله إلى التضحية كما ضحّى الحسين، والاقتداء بعذابات زينب وصبرها. مدعوّون أن تكون كلّ أيّامهم عاشوراء وكلّ مواقعهم كربلاء بكلّ ما فيها من ألم ملحميّ وعذابات لا تنتهي. بيد أنّ توقيف محمد بزّي والتعرّف على حجم أنشطته المالية، وأنشطة آخرين مثله، ينغّصان على الميليشيا سرديّتها ويطعنان في أصالتها وصدقها. لم يكن للحسين محمد بزّي يؤمّن لمعسكره المال والثروات فيما أنصار الحسين يموتون جوعاً. ولم يكن للحسين أيمن جمعة يراكم لقائد المعسكر الحسيني دولارات مبيّضة، في حين ينتحر أحباب الحسين بفعل وطأة انهيار الكرامة الإنسانية.

تريد ميليشيا حزب الله من الشيعة أن يكونوا حسينيّين زينبيّين فيما تنعم هي بما تيسّر من عائدات الجريمة المنظّمة، لتمويل أنشطة سياسية وعسكرية، هي اليوم من بين الأسباب المعلنة لانهيار لبنان.
الميليشيا.. والانهيار

لذلك لا تقيم الميليشيا وزناً لتبعات الصراع السياسي على الاقتصاد، ولا تجد نفسها مجبرة على عقد تسوية تسمح بترميم بعضٍ ممّا يمكن ترميمه من متطلّبات الحدّ الأدنى لعيش اللبنانيين. الميليشيا ثريّة، حتى آخر محمّد بزّي عندها، ومقتدرة على مراوغة الانهيار الاقتصادي في البلد الذي تقيم فيه وتتّخذه غرفة عمليات لا أكثر ولا أقلّ. وأمّا التسويات التي عقدتها والتي قد تعقدها في المستقبل فشرطها الأساس أن لا تكون على حساب ما قد يهدّد مناعتها وقدرتها.

لميليشيا حزب الله محمّد بزّي، ولبيئتها وباقي البيئات اللبنانية الانتحار جوعاً ويأساً. بيد أنّ المحزن هو مرور هذا الخبر من دون وعي سياقاته الأوسع المتّصلة بمجمل الانهيار اللبناني الأسطوري. مَن مثل بزّي هم من يسرقون دواء اللبنانيين لبيعه في أسواق العراق السوداء التي تراوح قيمتها بين 5 و7 مليارات دولار… ومَن مثل بزّي هم من توغّلوا في القطاع المصرفي اللبناني واستثاروا كلّ أنواع العقوبات.. ومَن مثل بزّي هم من موّلوا الفقاعة العقارية التي بسبب جنون الأسعار ساهمت في تهجير أبناء المدن من مدنهم وغيّرت بشكل ممنهج التركيبة الديمغرافية في بعض لبنان.. ومَن مثل بزّي هم من أتوا بالأموال التي سمحت لحزب الله بانتهاج سياسات كان مؤدّاها فصل لبنان عن محيطه العربي، بغية الاستئثار به وهضمه..

حزب الله هو محمّد بزّي قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء.. ومحمّد بزّي هو عنوان من عناوين الجريمة المتمادية بحقّ أرزاق اللبنانيين واستقرارهم، بل بحقّ وجود البلد في الأساس..

 

نديم قطيش – أساس ميديا