لا ثقة

الرواية اللبنانية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الاسرائيلي ليست صحيحة بالمطلق، وليست مزاعم كاذبة جملة وتفصيلا بالمطلق، واللبنانيون لا ينقسمون عموديا في الإتجاهين، بل يعيش معظمهم في اصطراع الفكرتين، لإجماعهم على عدم الثقة بما يقوله أهل المنظومة السياسية في أي موضوع، وما كلامهم على الفساد واستقلالية القضاء، وحرصهم (اللفظي) على الإصلاح والتغيير، إلّا المشهد الأوضح لازدواجية دكتور جيكل ومستر هايد.

اللاثقة بالطاقم السياسي هي الانطباع الفعلي لدى العموم اللبناني، الذي صُوّرت له نهاية وساطة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إنجازا تاريخيا نقيا من أي تنازل من “العهد القوي”فيما تفيد المعلومات المنقولة عن مداولات اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغّرة إن حقل قانا يحتوي على كميات من الغاز تقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار، حصة إسرائيل منها هي 17 بالمئة، أي ما يعادل نصف مليار دولار، تكفلت شركة توتال الفرنسية بتحصيلها من الجانب اللبناني، أي أن كل ما قيل عن غياب أي “خوّة” اسرائيلية على حقل قانا أمر غير صحيح، أو، على الأقل، غير محسوم، فكما جرى التفاوض بالواسطة، فإن دفع الأتاوة للجانب الاسرائيلي سيكون، أيضاً، بالواسطة، أما الكلام “المقاوم” على استمرار الصراع مع اسرائيل، فقد ناقضه هوكشتاين، في تصريح لمحطة تلفزة بريطانية، رأى فيه أن هذا الاتفاق “طريقة للولايات المتحدة لضمان عدم وجود صراع وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل”، مذكراً بأن ذلك “يعني عدم الحرب بين إسرائيل ولبنان”.

من أين يأتي الأميركي بهذا التفاؤل؟ هو يؤكد بذلك أن الإتفاق وليد ظروف دولية أكثر مما هو تفاهم ثنائي برعاية أميركية، وأن الفضل الرئيسي فيه لأزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ما يعطيه، مبدئياً، حصانة ضد أي خرق ممكن.

قد يسأل سائل: وهل يعقل أن يكون الأميركي حاور حزب الله” بالواسطة؟ بالتأكيد لا. فهو حاور ايران، أي موئل الحزب ومآله، ولولا القبول الإيراني لكانت العودة إلى صهيونية هوكشتاين وماضيه العسكري في اسرائيل ووصفه بالصهيوني المقنّع عادت إلى التداول في وسائل الإعلام الحديث والقديم، ولكان مبشرو الحزب تقاذفوا بين محطات التلفزة لنثر تهم الخيانة الوطنية يمنة ويسرة.

كلام هوكشتاين يعطي صدقية لتساؤل وسائل إعلام عن موعد إطلاق التفاوض على ترسيم الحدود البرية، جنوباً، فيما يذكر الإتفاق بالتفاوض المعلق مع قبرص والمتناسى مع سوريا لترسيم الحدود مع الدولتين، إضافة إلى مزارع شبعا وقسم من قرية الغجر أي “مسمار جحا” الذي يستمر التحجج بلبنانيته لمزاحمة الدولة على إمرة السلاح في البلاد، بينما تستمر سوريا-الأسد في الاعتراف لفظياً بلبنانية هذه المنطقة المحتلة، والتمنع عن تقديم اعتراف خطي بذلك كمستند يحسم هويتها لدى الأمم المتحدة، فإما تكون لبنانية، تحت سيطرة اليونيفيل، التي أسستها الأمم المتحدة في جنوب لبنان مع إصدار قراري مجلس الأمن رقم 425 و426 في 19 آذار 1978، أو سورية ترعاها قوة “الأندورف” التي أنشأها القرار الأممي 338 في أعقاب حرب تشرين الأول عام 1973، وفصلت بين اسرائيل وسوريا في الجولان.

 

راشد فايد – النهار