لبنان: بعد شويا وخلدة نكسة جديدة “للحزب” في عين الرمانة

بعد الإشكال في بلدة شويا الدرزية وفي خلدة حيث العشائر العربية السنية، جاء دور حزب الله في عين الرمانة. فالحزب الذي اختار خراج بلدة شويا لقصف العدو الإسرائيلي براجمة صواريخ فوجئ بردّة فعل الأهالي ومحاصرة الراجمة وموكب المقاتلين قبل أن يتدخل الجيش للإفراج عنهم، وفي خلدة غضّ حزب الله النظر لمدة سنة كاملة عن تسليم المشتبه به بقتل الفتى حسن غصن المدعو علي شبلي على الرغم من وساطة الأمير طلال ارسلان ما دفع بشقيق المغدور إلى أخذ الثأر بيده من شبلي ثم مواجهة عرب خلدة المسلحين في موكب التشييع.
أما في عين الرمانة فاعتقد مناصرو حزب الله الذين يشعرون بفائض القوة أن دخولهم أحد الأحياء وإطلاقهم الهتافات الطائفية وتكسير السيارات والمحال سيكون نزهة، لكنهم فوجئوا بردة فعل الأهالي وشبّان المحلة بعد جرح 4 أشخاص من بينهم، فخرجوا من المحلة مخلّفين وراءهم 6 قتلى وعدداً كبيراً من الجرحى.
وإذا كان اشكال كل من شويا وخلدة أثارا ضجة سياسية وأضاء على طبيعة العلاقة المتوترة بين الحزب وتلك البيئة الشعبية، فإن أحداث الطيونة وعين الرمانة اكتسبت بعداً أكبر بكثير نظراً لخصوصية المنطقة وحساسيتها وارتباطها بذكربات الحرب وخطوط التماس التقليدية. وأكثر من ذلك، فإن المواجهات وقعت على خلفية ارتباطها سياسياً وقضائياً بشرط الثنائي الشيعي: إما تطيير المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وإما تطيير الحكومة.
وبدا أن حزب الله لديه معلومات بأن المحقق العدلي يتجه في قراره الظني إلى الادعاء على قياديين في الحزب في موضوع تخزين النيترات في مرفأ بيروت والتغطية عليها طيلة تلك السنوات والتدخل لدى رئيس الحكومة حسان دياب للعدول عن زيارة المرفأ وتفقد العنبر الرقم 12 الذي انفجر وطيّر ثلث العاصمة اللبنانية وأوقع خسائر بشرية ومادية فادحة. وهذا ما يفسّر توتر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ أشهر وإيفاده مسؤول الارتبط في الحزب وفيق صفا لتوجيه رسالة تهديد مباشرة إلى القاضي البيطار بـ»القبع» مروراً بمداخلة وزير الثقافة محمد وسام مرتضى غير المألوفة على طاولة مجلس الوزراء لجهة طريقة مخاطبة الوزراء ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي اضطر إلى رفع الجلسة بعد التهديد «بشي غريب عجيب مش شايفينو بحياتكن».
وقد ذكّر أسلوب حزب الله في التعاطي مع انفجار مرفأ بيروت بأسلوبه في التعاطي مع توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية لتشمل إلى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري النائب جبران تويني، فاتخذ حينها قراراً بتعليق مشاركة الوزراء الشيعة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتوسّع التصعيد ليشمل إقفال مجلس النواب وتنظيم اعتصام في وسط بيروت لأكثر من سنة بهدف منع قيام المحكمة الدولية. ما يعني على حد قول القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش «أنّ حزب الله أصبح ضد المحكمة الدولية عندما بدأت الخيوط تصل إلى أحد قادته، وذهب إلى تدمير البلد في الحرب، ومن ثم ضرب كل شيء، في سبيل تغطية الجريمة». وذلك التصرّف مع المحكمة الدولية يشبه إلى حد كبير تصرّف الحزب حالياً مع تحقيقات المرفأ حيث ذهب المقرّبون من الضاحية الجنوبية إلى حد وصف القاضي البيطار بالمحقق الدولي ديتليف ميليس، بعدما كان نصرالله طالب بتحقيق لبناني في انفجار المرفأ وليس بتحقيق دولي، إلى أن طرأ شيء يلمّح إلى مسؤولية ما لحزب الله في موضوع النيترات ومن طلب من رئيس الحكومة حسان دياب العدول عن زيارته المرفأ.
أكثر من ذلك، لقد مارس الثنائي الشيعي ضغطاً على أحد الناطقين بلسان أهالي ضحايا المرفأ ابراهيم حطيط وهو من الطائفة الشيعية لإصدار بيان يطالب فيه المحقق العدلي بالتنحّي بعد رفض البيطار تعيينه في منصب قضائي أعلى وكف يده عن الملف. ويحاول الحزب استثمار أحداث عين الرمانة ومقتل 7 لتكوين ملف قضائي يحاول من خلاله اتهام القوات اللبنانية وتركيب ملف لها مقابل ملف المرفأ بعدما فشلت محاولة الربط بين النيترات المكتشفة في البقاع ونيترات المرفأ، وتبيّن أنها عبارة عن شريط «أبو عدس» ثان.
وتأتي محاولات حزب الله بعدما فشل في تحويل 14 تشرين الاول/أكتوبر إلى 7 أيار/مايو جديد من أجل فرض أمر واقع يكرّس الهيمنة الإيرانية على لبنان وتنفيذ رغبات نصرالله الذي بات يتصرّف وكأنه «المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية» التي عليها تلقّف رسائله وتلبيتها وفي طليعتها حالياً إقالة المحقق العدلي تحت طائلة استخدام القوة.
وإذا كان حزب الله فشل في تحقيق أهدافه في عين الرمانة على الأرض، فقد عاد ليضع شروطاً للعودة إلى مجلس الوزراء أولها إقفال الملف الذي يقوده القاضي البيطار وتجريم القوات اللبنانية في أحداث الطيونة ومحاكمة من قرّر وخطّط ونفّذ العمليات ومحاسبة كل من أهمل وقصّر من القوى الأمنية في حماية المتظاهرين. على هذه الشروط يردّ خصوم الحزب بوضع شروط مقابلة في طليعتها تسليم سلاح حزب الله وفقاً لاتفاق الطائف وللقرار 1559 واستكمال التحقيق في انفجار المرفأ وتدويل الحدود.
ويسأل هؤلاء الخصوم «كم شهيد قدّم حزب الله على الجبهة الجنوبية ضد العدو الإسرائيلي منذ عام 2006 لغاية اليوم مقارنة بالقتلى الذين سقطوا للحزب في مواجهات مع أفرقاء لبنانيين؟». ويرون أن الحزب يمارس ما يتهم به غيره لناحية الاستعلاء والتحذير بالثبور وعظائم الأمور وعليه إجراء مراجعة لأدائه السياسي والميداني ولفائض القوة الذي بدأ يرتد عليه، بحيث بدل أن يتحوّل تاريخ 14 تشرين إلى «يوم مجيد» بحسب توصيف نصرالله لاجتياح 7 ايار في بيروت تحوّل إلى يوم مجيد لمعارضي الحزب الذين ربحوا جولة جديدة في عين الرمانة بعد جولتي شويا وخلدة، وهذا يعني نكسة لحزب رغم كل ما يمتلكه من ترسانة عسكرية يحاول من خلالها ترهيب وترغيب القوى السياسية. ويخلصون إلى القول إن «الجولة الأخيرة لم تكن مواجهة شيعية مسيحية بين حزب الله وأفرقاء مسيحيين بل كانت امتداداً للمواجهة بين حزب الله وأفرقاء لبنانيين أحرار يرفضون الخضوع لمنطق القوة».

 

سعد الياس- القدس العربي