“الحزب” يواجه تحقيقات مرفأ بيروت بالتهديد والارتياب المشروع

ثبت تلقي المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار تهديدات من “حزب الله”، بعد أن رد خطياً على طلب النائب العام التمييزي غسان عويدات، مؤكداً ما تم تداوله عن رسالة شفهية وصلته بالواسطة من مسؤول التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا.

بالتزامن تصاعدت وتيرة المواجهة بين المحقق العدلي ومجموعة المسؤولين السابقين والنواب المدعى عليهم في قضية انفجار المرفأ. فبعد أقل من 24 ساعة على تبلغ بيطار رسالة “حزب الله” التهديدية، قدم وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، المدعى عليه في القضية، والمعروف بعلاقته الوطيدة والوثيقة بـ”حزب الله”، دعوى الارتياب المشروع بحق بيطار طالباً من محكمة التمييز تنحي القاضي عن القضية. وبالتزامن شن النائب نهاد المشنوق من على منبر دار الفتوى هجوماً على المحقق العدلي، محولاً قرار الادعاء على رئيس حكومة سابق هو حسان دياب إلى قضية طائفية، منضماً إلى لائحة مقدمي طلب الرد بحق بيطار إلى المحكمة الاستئنافية.

هو السيناريو نفسه الذي رافق تحقيقات السلف القاضي فادي صوان مع عنصر إضافي هذه المرة، تمثل بإيصال تهديد مباشر. وفي الخطوتين، تعطيل مباشر لمسار التحقيقات وصولاً إلى ختمها بالشمع الأحمر، كما حصل في جرائم كثيرة ارتكبت في لبنان على مر السنوات، فيما رأى كثيرون في تهديد “حزب الله” لبيطار تهديداً مبطناً أيضاً إلى رئيسة محكمة الاستئناف ومستشاريها، وذلك قبل أن تتخذ قرارها في شأن دعوى تنحي بيطار، لا سيما أن كل العارفين بالقاضية رندا كفوري يتحدثون عن نزاهتها وصرامتها وصدقيتها، لكن هل تجرؤ في ظل هذه الأجواء على رفض طلب التنحي؟

طلب التنحي يعطل القاضي

أخطر ما في طلب تنحي القاضي بيطار، يقول عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص، هو أهدافه التعطيلية لمسار التحقيقات حتى بلوغ أول ثلاثاء بعد منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، وهو موعد بدء الدورة العادية لمجلس النواب، بالتالي عودة العمل بالحصانات للنواب المدعى عليهم علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق.

ويشرح لـ”اندبندنت عربية” أن “الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذا الملف من قبل المعترضين على التحقيقات والمتهمين، تعتمد أسلوباً غاية في الخبث والمكر”.

ويؤكد عقيص أن تقديم طلب نقل الدعوى من القاضي بيطار قد قدم في هذا التوقيت بقصد شل يد المحقق العدلي عن الملف وتعطيل عمله على الأقل إلى حين صدور قرار محكمة التمييز، فالمعروف أن النواب حالياً لا يتمتعون بالحصانات طالما أن مجلس النواب ليس في إطار عقد دورة عادية من الآن حتى منتصف أكتوبر، ولا اتفاق بعد على فتح دورة استثنائية. بالتالي، فإن طلب تنحيه يشل عمله بانتظار بلوغ الأسابيع الثلاثة المتبقية قبل الدورة العادية المقبلة للمجلس النيابي في أول ثلاثاء بعد منتصف أكتوبر، بالتالي عودة العمل بالحصانات النيابية. من هنا، يدعو عقيص القاضية كفوري إلى بت (بأسرع ما يمكن) الطلب لتعطيل المخطط التعطيلي.

الأوركسترا المرتابة واحدة

وفق عقيص، هي أوركسترا واحدة سياسية وطائفية وأمنية وحزبية وإعلامية تعزف لحناً واحداً ضد بيطار. ويضيف “التهديد الذي تعرض له المحقق العدلي من قبل حزب الله يلقي الظلال على طريقة تعامل حزب الله مع كل الملفات التي من شأنها أن تضعه في خانة الاتهام في المرحلة الماضية والحاضرة”.

ويقول عقيص “أهم ما في قرار كفوري إذا رفضت طلب فنيانوس والمشنوق، أنه سيثبّت القاضي بيطار في موقعه”. لكن هل يمكن أن تكرر كفوري قرار سلفها الذي كان قبل دعوى تنحي القاضي صوان؟ يؤكد عقيص أنه لا يمكن إلزام رئيسة المحكمة بقرار سابق لانتفاء قوة قضية دعوى الارتياب.

ويؤكد عقيص أنه وحزب “القوات اللبنانية” لا ينزهان القاضي، وهو ليس معصوماً من الخطأ، ويجب أن “تكون أعمال كل القضاة تحت مجهر الرأي العام، لكن هذا شيء وتعطيل ملف بكامله من قبل السلطة السياسية شيء آخر”.

ويسأل عقيص منتقدي بيطار “ماذا تعرفون عن التحقيقات طالما أنها سرية، ولماذا لا تسهلون وصول المدعى عليهم أمام القاضي، لمعرفة إذا كانت هناك حلقات أخرى من الادعاءات؟”. ويضيف أن “القرار النهائي سيكون للمجلس العدلي، وإذا بدأنا نشكك بالمجلس العدلي فعلى الدنيا السلام”، مشدداً على أن “ملف المرفأ مع هذا القاضي قد يعيد للقضاء والعدالة اعتبارهما، وإن غداً لناظره قريب”.

أهالي الضحايا لن يسكتوا

يُتهم القاضي بيطار بالانحياز لصالح أهالي ضحايا المرفأ ضد المدعى عليهم. في المقابل، يعتبر الأهالي، كما يؤكد أحد وكلائهم المحامي جلبير أبو عبود لـ”اندبندنت عربية”، أن “القاضي بيطار يسلك المسار الصحيح حتى الوصول إلى رفع الغطاء عن كل أركان المنظومة المتورطين في انفجار المرفأ، وهذا ما يدفع بها إلى تهديده وتعطيل عمله”.

يرفض وكيل أهالي الضحايا الاتهامات المساقة ضد بيطار التي تصف التحقيق بالمسيس وغير العادل، معتبراً أن التحقيق لم ينته بعد، وقد يجوز هذا الاتهام عند صدور القرار الظني، في وقت أن كل الادعاءات التي يصدرها القاضي بيطار تستند، وفق أبو عبود، إلى معطيات أساسية باتت متوفرة لديه.

ويصف الأسلوب الذي استخدم لتطيير المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان بغير المشروع، لا سيما أن “هذه السلطة المسؤولة عن المرفأ متورطة بطريقة ما”.

ويسأل “لماذا الشك الآن بالقاضي بيطار، الذي اختارته هذه السلطة السياسية بمرسوم موقع من رئيس الجمهورية، ووزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم، ورئيس الحكومة حسان دياب، بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى؟ فهل لأنه ماض في مسار التحقيقات كما سلفه؟”.

ويشرح أبو عبود أن جرم التصدي لا يخضع لإجراءات الحصانات، معتبراً أنه كان يمكن لبيطار أن يقفز فوق هذه المسألة لأن الجرم عادي، بالتالي حتى لو كان وزيراً أو رئيساً أو نائباً يحاكم أمام مجلس القضاء العادي.

التهديد ميليشياوي

يتهم أبو عبود “حزب الله” بتعطيل التحقيق، ويؤكد أن التهديدات ليست جديدة، بل توالت تكراراً في إطلالات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بشكل علني، وآخرها التهديد بتغييره. ويعتبر أنه عندما لم يتأثر بيطار بتهديدات نصرالله العلنية، عمد الحزب إلى التهديد المباشر بواسطة رئيس لجنة الارتباط والتنسيق لديه، مؤكداً أن “هدف زيارة صفا إلى قصر العدل لم تكن قضية النيترات، الذي ضبط في البقاع، بل توجيه رسالة بالمباشر إلى القاضي بيطار”.
يصف محامي أهالي الضحايا تهديد صفا “بالتهديد الميليشياوي من فئة لا إجماع حولها، وهي مغطاة من المنظومة السياسية الحالية”. أما أسباب ارتياب الحزب، فهي “إدراكه بأن تحقيقات المرفأ ستطير رؤوساً كبيرة، وقد تصل إلى كشف حقيقة رواية تخزين النيترات لصالح الحزب”.

الارتياب، وفق أبو عبود، يصح لمن يخاف المثول أمام المحقق العدلي، وليس لمن يقوم بواجبه من أجل إحقاق العدالة. لكن ماذا لو قبلت محكمة التمييز دعوى تنحية القاضي بيطار عن الملف؟ يجيب المحامي “سيحصل تصعيد شعبي كبير ولن نسكت”. ويناشد قضاة هيئة التمييز الثلاثة أن يخضعوا لضميرهم وحسهم القانوني، معتبراً أن الرهان لا يزال على نظافة القضاء، وعلى حيادية هيئة محكمة التمييز برئاسة القاضية كفوري.

“حزب الله” ملتزم الصمت

حتى الآن، بقي “حزب الله” على صمته، وكذلك رئيس لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، الذي تقصد البقاء غائباً عن السمع. وكشف أكثر من محام مقرب من الحزب تواصلت “اندبندنت عربية” معهم، أن التعليمات وصلتهم بعدم التعليق على هذا الموضوع، بعدما تردد أنه سيكون للحزب موقف علني من التسريبات التي حصلت، وبأن الأمر لن يترك للإعلام نظراً لحساسية القضية وما يشاع حولها.

في المقابل، ذكر مصدر صحافي مقرب من الحزب لـ”اندبندنت عربية” أن القضية أقفلت بالنسبة إليه، بعدما أصدرت الصحافية لارا الهاشم صاحبة التسريب توضيحات لجهة أن كلام صفا الموجه لبيطار لم يتحدث فيه عن تهديد بل قصد أن المواجهة ستكون قانونية، علماً أنه لم يتم الاستماع إلى إفادة الهاشم بعد، كونها هي التي نقلت رسالة صفا إلى القاضي بيطار.

أما في موضوع الارتياب المشروع، فيؤكد المصدر المقرب من “حزب الله” أن هذا حق قانوني لكل من يتم اتهامه، وإن لم يكن للحزب أي موقف علني بشأن ذلك، مشيراً إلى أن مواقف نصرالله كانت تتحدث عن إشكالات أو ملحوظات حول أداء القاضي بيطار وتطالبه بتوضيح الأمور، لا أكثر ولا أقل.

 

دنيز رحمة فخري – اندبندنت عربية