نداء “القوات” يتفاعل اغترابيّاً… والوثيقة سلكت طريقها

تُقارب “القوّات اللبنانية” موضوع التباينات السياسية العاصفة بين أحزاب الأكثرية الحاكمة، على أنّها سجالات لا تعني “لبنانها” ككلمة علويّة وفكرة بعيدة عن “لبنانهم” كرداء للتصنّع. وتُدرج أيّ صراع سياسيّ أو مواجهة وانقسام غير مبنيّ على أساس مشاريع سياسية واضحة العناوين وحازمة البنود، في إطار “شدّ حبال” قائم على تحقيق مكاسب نفعيّة وسلطويّة بين الأطراف المتنازعة، بما يشير في مقاربتها إلى أنّ ما يشهده الشارع اللبناني صراعاً بين مكوّنات أولويّتها نفوذها وسلطويّتها. وكما لو أنه كذب محتجب في الذكاء المستعار، تستنكر “القوات” اعتماد أسلوب قائم على الانجرار إلى خطابات سياسية بأبعاد طائفية قائمة على شدّ العصب المذهبيّ، في إطار أسلوب تعتبره خارجاً عن اللحظة السياسية الحالية، ما أوصل الدولة إلى الانهيار وإلى نكبة سياسية ما بعد الأخرى.

وتستقرئ مصادر بارزة في “القوات” عبر “النهار” أنّ الغاية من الاحتدام السياسي بين قوى السلطة، يعود إلى محاولة التغطية على الفشل وتقاذف الاتهامات، في إشارتها إلى أنّ من يسعى إلى تطبيق الدستور لا يعمل على إفراغ موقع رئاسيّ وتغطية سلاح “حزب الله”. وتعرّج على الخطاب الذي يسوّق له “التيار الوطني الحرّ” واضعةً إياه في إطار الخديعة ومحاولة ارتداء ثياب الثورة وتوجيه أصابع الاتهام إلى منظومة سياسية عقد التحالف معها عام 2006 ويشكّل جزءاً منها. وتشبّه المصادر الواقع اللبناني الذي يحكم علاقة أحزاب الأكثرية الحاكمة بزمن “أكلة الجبنة” التي يضع “حزب الله” يده عليها ويقطع لكلّ من حلفائه قطعة جبنة ويقسّمها عليهم، فيما كلّ منهم يطالب بقطعة أكبر نتيجة عملهم على تغطية دوره في الداخل اللبنانيّ. وتحصر “القوات” النزاع السياسي بين قوى السلطة بالخلاف القائم على توزيع الجبنة، فيما رؤيتها بعيدة عن منطق تقاسمها.

في الموازاة، ما هي أسس البناء السياسي التي تحتكم إليها “القوات” في هذه المرحلة، بعد إطلاقها ورقة سياسية مؤلّفة من أربعة بنود رئيسيّة بالتنسيق مع الاغتراب؟ تَطرَح معراب عناوين مشروع سياسي تراه متكاملاً وتحيك تفاصيله بين الداخل اللبناني والفعاليات الاغترابية من مناصرين ومحازبين. ويتمثّل العنوان الأكبر في الورقة السياسية بـ”استرداد الدولة” المغيّبة في ظلّ إدارة حالية تعمد على المقايضة بين موضوع السلاح وإدارة الدولة. وتضيء على إطلاق مواجهة هادفة إلى استرداد الدولة المغيّبة من تحالف “حزب الله” والقوى الحليفة لمشروعه السياسيّ. وتركّز “القوات” اهتماماتها على مواضيع متعلّقة باللحظة الآنية. وتشير المعطيات إلى فعالية بارزة طبعت نشاط الحراك الاغترابي بعد إطلاق الورقة السياسية. وعُلم أنّ وفداً اغترابياً من الجالية “القواتية” التقى بسفراء دول معتمدة في مجلس الأمن الدولي بواشنطن، بهدف المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دوليّة في واقعة انفجار مرفأ بيروت. وقد ترافق ذلك مع استنفار داخليّ في معراب لناحية التركيز على المطالبة بلجنة تقصي حقائق، التي برزت كعنوان أساسيّ في لقاءات رئيس “القوات” سمير جعجع مع عدّة سفراء في لبنان.

ويتمثّل العنوان الآخر البارز على طاولة النقاشات بين جعجع وزوّاره من المسؤولين الخارجيين، في التركيز على ضرورة دعم المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية اللبنانية، بعد سقوط الاستقرار المالي والاستقرار السياسي والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الأمني لبقاء الكيان. ويبقى موضوع حماية الاحتياطي الإلزامي عنواناً بارزاً على جدول أعمال معراب، تصديّاً لما تراه من محاولات للحفاظ على استمرار الطبقة السياسية من خلال استنزاف ما تبقى من أموال. إلى ذلك، يبرز استنهاض البيئة السياسية “القواتية” داخليّاً وخارجيّاً تحضيراً للانتخابات النيابية، التي تستقرئ معراب أنّها ستشكّل حدثاً مهمّاً على صعيد النتائج.

ويُذكر أن البنود الأربعة التي تضمّنتها الوثيقة “القوّاتية” عناوين المرحلة المقبلة، تشمل الاحتياطي الإلزامي كعنوان أول مع التحذير من المساس به. ويتمثّل العنوان الثاني في اللجوء إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية. ويتناول البند الثالث أهميّة الحياد للبنان، فيما كَشفت تجربةُ المئة سنة من حياة دولة لبنان الكبير، أنَّه يتعذَّر على لبنان أن يكون وطن الرّسالة من دون اعتماد نظام الحياد. وأشارت الوثيقة إلى أن الانحياز إلى صراعات دول الشّرق الأوسط وشعوبه عاب صيغة الشّراكة بين المسيحيين والمسلمين بأوجهها الرُّوحيَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة. ويعني الحياد، وفق الوثيقة، عدم دخول لبنان قطعيًّا في أحلاف ومحاور وصراعات سياسية وحروب، وامتناع أيِّ دولة إقليميَّة أو دوليَّة عن التدخل في شؤونِه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكريّة، ولكنه لا يعني إطلاقاً عدم الاستمرار بدعم القضية الفلسطينية بكلّ قوة. وينصّ البند الرابع من الوثيقة على عودة اللاجئين السوريّين بعدما باتت هناك مناطق شاسعة آمنة في سوريا، في وقت الذين يقترعون ويهتفون من السوريين الموجودين في لبنان فداء لحياة بشار الأسد هم بطبيعة الحال لا يعتبرونه خطراً عليهم ويستطيعون العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها وسقطت عنهم صفة اللجوء. وذكّرت الوثيقة بالبند الخامس من الفقرة (C) من المادة الاولى من اتفاقية جنيف الدولية الخاصة باللاجئين الصادرة عام 1951: “يخسر صفة اللاجئ وتتوقف الاتفاقية عن التطبيق بحقّه، اللاجئ الذي لم يعد يخاف من سلطة موطنه الأصلي”.

مجد بو مجاهد – النهار