أوّل خلاف «كبير» بين عون وحزب الله


ذاتَ يوم، قبلَ أربعة عشرَ عاماً، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن «للجنرال دَيناً في رقابنا» سيُحفَظ إلى يوم القيامة.

كانَ ذلك بعد عدوان تموز، حينَ وقفَ العالم كلّه ضدّ المقاومة، وقالَ عون «إنه زمن الحرب وسنقاتل».

كثيراً ما أثار دعم الحزب لحليفه استغراب الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء. كانَ رضى الجنرال فوق كل اعتبار، وأحياناً كثيرة على حساب رضى الأقربين. إنه الوفاء «لتفاهم» أرادته حارة حريك متيناً، رغمَ كل المفترقات الداخلية، والتي هي بالنسبة إلى الحزب تحتمِل الاختلاف. لكن يبدو صعباً على حزب الله أن يتفهّم «خلافاً» في موضوع استراتيجي كالعداء لإسرائيل. والأصعب منه أن يتقبّل ذلك،من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
لم تتغيّر علاقة الوئام التي جمعت عون ــ نصر الله طوال السنوات الماضية. في عزّ الاختلافات أو الأزمات بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ لم تتزعزع العلاقة. دائماً ما كانت تنمو بينهما بذور حوار، حتى عندما كان يختار الوزير جبران باسيل التمايز في ملفات تكتيكية، كانت دفة السفينة سرعان ما تعود الى برّها، لأجلال جنرال أيضاً. حين ذهب الحزب الى سوريا، لم يطلب موقفاً داعماً. أيّده عون سرّاً، ثم جهاراً بالحديث عن«الحرب الاستباقية». ولعون حرية العلاقة مع سوريا التي لم يزرها رئيساً، رغم وعده بذلك، كما إيران أيضاً. وبالنسبة إلى الموقف من حرب اليمن، كلّها أمور لم تكُن لتجعل العلاقة بين الطرفين سيئة، ولم يكُن تخندق كلمنهما في معسكره الخاص كافياً لهدم أركان «مار مخايل». لكن الأزمة هذه المرة مختلفة. هناك، بالنسبة إلى حزب الله قضايا لا يسري عليها قانون المراعاة، ولا الاختباء وراء الأصابع. قضايا لا تحتاج إلى من يُفسّر مدى أهميتها بالنسبة إلى المقاومة. لذا عزّ على حارة حريك أن يُصرّ رئيس الجمهورية على موقفه بشأن تركيبة الوفد المفاوض. فموضوع المفاوضات غير المباشرة بالنسبة إلى حزب الله، هو حدث مترابط استراتيجياً وزمنياً مع ما يحصل في المنطقة. لذا كان الحذر واجباً إلى أقصى حد، من أجل أن لا يُستغلّ أميركياً وإسرائيلياً. فالقضية على صلة وثيقة بعمل المقاومة التي تحفر بالإبرة لتثبيت المعادلات، وقد كلّفها ذلك دماءً وشهداء، وهي قضية تمسّ بذات المقاومة التي تتعرّض اليوم لأعتى أنواع الحصار والضغط والابتزاز. كان موقف ميشال عون مفاجئاً، رغم أنّ باسيل آخذ منذ فترة بتوسيع هامش تمايزه في ملفات عديدة: «المُبعدون إلى إسرائيل»، قانون العفو، الخطاب الأيديولوجي، الترويج لانسحاب حزب الله من سوريا.

وترك باسيل لنواب في تكتّله هامشاً أكبر إلى حدّ تخيير بعضهم الحزبَ بين المقاومة والجوع، كما فعل النائب زياد أسود. لكنّ أحداً لم يتوقّع أن يصرّ عون على عدم حصر الوفد المفاوض بضباط الجيش اللبناني، بعدما أغرق العدوّ وفده بأعضاء سياسيين وحكوميين من أجل إعطاء المفاوضات طابعاً سياسياً، كما لم يكُن يتوقّع أحد أن يخرج أمس أسود نفسه ويسأل «ما المشكلة في التفاوض المباشر مع إسرائيل»؟ طبعاً ليس لباسيل سلطة على جميع نواب تكتّله.
لطالما كان الحزب متحفّظاً على التفاوض مع العدو، وفي الوقت نفسه كان يؤكّد أن ترسيم الحدود هو وظيفة الدولة، إلا أن قرار ضم أعضاء مدنيين إلى الوفد اللبناني ليس تفصيلاً بسيطاً يُمكن تجاهله. مع ذلك بقي حزب الله وحركة أمل حتى ساعات متأخرة قبل جلسة التفاوض الأولى في الناقورة يتحدثان إلى عون مباشرة أو عبر باسيل وينصحانه بعدم الوقوع في هذا الخطأ للحفاظ على الطابع التقني للمفاوضات، لكن عون أبى ذلك. لذا كان بيان الفجر. لا شكّ أن هذه الخطوة بالنسبة الى حزب الله خطأ، ولا شكّ أنها تركت أثراً لدى قيادة المقاومة. وإن كانت حارة حريك لا تزال تؤكّد أن هذا القرار لن يُحدث شرخاً، وأن «هناك ثقة بعون وبحرصه على السيادة والموارد الاقتصادية»، لكن ما لا يُمكن إغفاله أن ما حصل هو أول خلاف على ملف«استراتيجي» بين الطرفين.
بات جلياً أن العهد والتيار يريدان إبراز صورة جديدة لهما، مع ميلها الى التمايز أكثر فأكثر عن حزب الله وتحقيق ما يريان فيه مصلحة لهما. لكن لن يُعلن حزب الله أيّ «فُكاك» مع حليفه. وهو ليس في وارد استسهال ضرب التحالف، ولا هو هاوي خلافات داخلية تكلّف البلاد مزيداً من الأزمات.