لا ضرورة للسرّية

لا شك في ان رئيس الجمهورية يشعر بالاعتزاز وارتفاع المعنويات حين يترأس “المجلس الأعلى للدفاع”. فهو رأس الهرم وطاولة الاجتماع. فيه يستعيد الأجواء العسكرية وسيرة “القائد” الذي أطلق “حرب التحرير”، لـ”هز المسمار” في عزّ تحالف حافظ الأسد مع العرب والمجتمع الدولي وشراكته مع الأميركان في تحرير الكويت. ومن خلال الأجواء نفسها قد يتذكر بمرارة “حرب الإلغاء” التي تسببت بإدخال الاحتلال السوري الى وزارة الدفاع و”العرين المسيحي”، والتي يسهل إيقاظها في وسائل التواصل وعلى الهواء البرتقالي والأصفر وأفواه رزمة محترمة من النواب.

يحنُّ فخامته بلا شك، ورغم التقدم في العمر، الى تفعيل لقب “الجنرال” مع انه لم يفارقه منذ غادر “قصر الشعب” تحت قصف “نظام البعث”، وحتى عودته ليجلس بسلام على كرسي الرئاسة بحماية شفيعه “مار مخايل” شاهداً عُلوياً على “تفاهم” أراده جسراً الى رئاسة الجمهورية فتحوَّل حفرة للجمهورية. وما كمية الرتب والنياشين الحاضرة في اجتماع “مجلس الدفاع” الا محفزٌ للرئيس على استنفار “العسكري المتمرّد” الكامن داخله، فيتخيل نفسه ضارباً على الطاولة من جديد ومُصدراً “أمر اليوم” الواجب التنفيذ بلا إبطاء.

ربما كانت لازمة “أبقى قراراته سرية” الواردة في معظم بيانات “مجلس الدفاع” الأكثر إثارة للحشرية، ذلك انها توحي بما لا يجوز للعامة الاطلاع عليه وما لا يمكن افشاؤه لئلا يسقط في علم المتآمرين والأعداء. وهذا النوع من القرارات يفيد بالجدية وتحمل المسؤولية واستشراف الأخطار وتنفيذ خطط الأمن الوقائي الذي يحول دون وقوع ما لا تحمد عقباه.

واستناداً الى ما تقدَّمَ ووقعَ من حادث كارثي في بيروت، كان اجتماع أمس نموذجاً للمفارقات وتعبيراً صارخاً عن كيفية عمل المؤسسات في دولة أبيد نصف عاصمتها بانفجار في أهم مرفق عام، وتعيش على وقع تصريف أعمال حكومة حسان دياب والتجاذب الوقح لتحديد الحصص وحقائب النهب وصرف النفوذ قبل الاستشارات، فيما لا يزال الجرحى في المستشفيات والبيوت بلا شبابيك والمشردون على باب الله.

خُيّل لكثيرين في زمن المفاجآت أن يستدعي الرئيس عون المحقق العدلي ليترأس “المجلس الأعلى للدفاع”، فيستجوبَ معظم المشاركين وعلى رأسهم رئيسا جمهورية والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية بغية تحديد مسؤولياتهم التراتبية، قياماً مشرِّفاً بالواجب، أو تقصيراً عن قصد أم غباء، أو اهمالاً مقززاً سمح بانفجار 4 آب، ذلك ان الوعد الوهمي بكشف الحقيقة في خمسة أيام سيبقى وعداً غير مربوط بآجال، وتوقيفَ صغار وإن كانوا بمنصب مدراء لن يخدم العدالة ويشفي غليل أهالي الضحايا والمنكوبين لعِلمهم بأن شحن الأمونيوم وخزنه في عنبر مرفأ بيروت لعبة كبار.

نسي “مجلس الدفاع الأعلى” أمس لازمة “القرارات السرية”… فعلاً، لا شيء يستدعي السرية على الاطلاق. الأشلاء والركام والمسؤوليات ظاهرة للعيان في المرفأ والطرقات، وصُوَر رالف والكسندرا وعلي والمئات ستبهتُ مع أول مطرة شتاء. أما الاجتماعات فـ”ستبقى مفتوحة” لمتابعة “الكورونا” وصرامة التصريحات.

 

بشارة شربل-نداء الوطن