لا للحياد ولا التحييد

الحياد غير مطلوب من أبينا غبطة البطريرك الراعي، الحياد مطلوب ممن يرفضه بناء لأوامر رؤسائه ولي الفقيه والحرس الثوري الإيراني.

عندما قرر حزب ولاية الفقيه ان يتصرف بمستقبل لبنان من دون ان يأخذ رأي اللبنانيين وبدون الرد على أي مطلب حواري، حول وضع مصير لبنان وأمنه واقتصاده وماليته وسياحته وكامل مجتمعه وغير مبال بشعب لبنان، لانه يؤمن بالخضوع الكلي لأي أمر يصدره ولي الفقيه لمصلحة إيران وسيطرتها، ولا غرو بذلك إذ يعتبر ان لبنان ولاية إيرانية تنضم الى سوريا والعراق واليمن تحت الهيمنة الكاملة لولي الفقيه وهذا ما افصح به علناً كبار المسؤولين الإيرانيين.

كل هذا ولم يرد هذا “الحزب” على أي طلب من كبار المسؤولين اللبنانيين لبحث هذه المواضيع إما مباشرةً وإما على طاولة حوار. وعندما استطاع رئيس الجمهورية (غير القوي) ان ينتزع اعلان بعبدا حيث وافق عليه الجميع وأيده المجتمعان العربي والدولي، سارع حزب ولاية الفقيه بعد تلقيه الأوامر الى التراجع العنيد عن هذا الإعلان وسلم لاحقاً الى الرئيس (القوي) حماية هذا الرفض.

ومن دون إضافة وقائع عديدة تصب كلها في المنحنى الرفضي لكل ما هو مصلحة لبنان العليا تحت ستار القضية الفلسطينية، والتي من خلالها قررت القمة العربية برئاسة المغفور له الرئيس جمال عبدالناصر ان تكون مصر وسوريا والأردن دول مواجهة، وان يكون لبنان وفقاً لتكوينه وقدراته دولة مساندة وليس دولة مواجهة. وبعد ان طردت سوريا كل الأحزاب اليسارية من المواجهة مع العدو الاسرائيلي وحصرت هذه المواجهة بنوع من رواية مدروسة بحزب ولاية الفقيه، وهذا ما يفسر أيضاً وقوف حافظ الأسد الى جانب إيران بحربها ضد العراق، كل ذلك جعل لبنان دولة المواجهة الوحيدة والذي يتحمل شعبه تبعات ما لا قدرة عليه لا سابقاً ولا لاحقاً.

كان لسوريا حلفاء في لبنان طبقاً لمعادلة ان سوريا قلب العروبة النابض. أما وقد تخلت سوريا عن قضايا العرب والتزمت هي الأخرى بأوامر الحرس الثوري الإيراني، التزم بعض أصدقاء عائلة الأسد بها ولكن عروبة الوزير سليمان فرنجية ستكون عقبة في دعمه من قبل من يؤمنون بولاية الفقيه التي لا علاقة لها أبداً بالعروبة.

اما ونأتي اليوم لنطرح الحياد والتحييد في وقت يشعر حزب ولاية الفقيه انه سجل انتصاراً كاملاً على مصير لبنان، ونكون من السذاجة بمكان ان يساير هذا “الحزب” ويقبل بالتخلي عما يعتبره مكاسب لا رجوع عنها بل هناك إرادة بالأطباق اكثر على مصيرنا، فهذه هلوسة ما بعدها خفة. المطلوب اليوم لاننا قطعاً نتحاشى الدعوة الى مواجهة السلاح بالسلاح، علينا فوراً استعادة عروبة لبنان والانضمام الى الدول العربية دون سواها، في مواجهتها لطموحات الهيمنة الإيرانية وتدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، ونحن في لبنان اولى ضحايا هذه الهيمنة وعلينا ان نعمل جاهدين لنعود صلة الوصل ليس بين الشرق والغرب فحسب، بل أيضاً صلة الجمع ما بين الدول العربية بعضها مع البعض الآخر.

هذا موقف يجب ان تتكون حوله مجموعات فاعلة، وعند بداية نجاحه سيطلب عندها حزب ولاية الفقيه، هو وليس نحن، الحياد أو التحييد إنما يجب علينا ان نتواجد متسلحين بقوة الموقف.

هذا الموقف الحازم والواضح علّه يكون بديلاً عن السلاح والحرب الأهلية والمساعدة في نجاحه الكامل، عندما يقتنع الرئيس نبيه بري غير الخاضع لولاية الفقيه والمؤمن بلبنانيته (القامة الوطنية تتغلب على سواها من أية مكاسب إذا وجدت).

الشهيد رفيق الحريري لم يؤمن بالسلاح بل بقوة الديبلوماسية وعلاقة لبنانه بالدول العربية والدول العظمى، حيث استطاع حتى باستشهاده ان يضع مدماكاً ثابتاً لسيادة واستقلال لبنان. وها هو كبير من بلادي يرحل ونحن في اشد الحاجة اليه وكبير آخر من بلادي، الذي حمل السلاح لافتقار الدعم الداخلي والعربي والدولي وقاد مواجهة شرسة وضعت أساساً لاستقلال لبنان، الا وهو الرئيس بشير الجميل شاء من شاء وأبى من أبى.

من المستحيل مساعدة احد غير فاعل وغير موجود. الشهيد رفيق الحريري جعل من وجوده فاعلاً ورقماً يصعب تجاوزه، والشهيد بشير الجميل اصبح عبر وجوده من اصعب الأرقام، والشهيدان هما حيّان في قبريهما، بينما اليوم هناك أموات في قصورهم.

المحايد لا يجلب أي دعم الا إذا اقتنع الفريق المواجه والمسيطر بالحياد، ولن يفعل على الإطلاق إذ يعلم اننا غير قادرين بتاتاً على مواجهته.

فلنثبت وجودنا ومن ثم نطلب المساعدة والدعم.

دعونا ننضم الى الذي علّمنا انه كلما هربنا من المشاكل ابتعدنا مسافات ومسافات عن الحلول.

جوني عبده-نداء الوطن