للذين غضبوا من موقف الحكومة اللبنانيّة نقول إنّه يمكن اعتبار القرار الصادر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة يوم أمس الأوّل، القاضي بإنشاء مؤسّسة دوليّة جديدة ومستقلّة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم حدثاً عظيم الأهمية ويستحقّ الاحتفاء به. فقد صوّتت أكثريّة ٨٣ دولة مع مشروع القرار، وامتنعت ٦٣، وعارضت ١١ دولة. في هذا الصدد نقول إنّ موقف الحكومة اللبنانيّة المعيب الذي تلطّى عمليّاً خلف امتناع عدد كبير من الدول العربيّة ليست له أهمية، لأنّ الحكومة ومعظم القوى السياسيّة المقرّرة في البلد متواطئة أساساً مع النظام في سوريا. لذلك ما من جهة تعّول على موقف لبنان الرسميّ، علماً أنّ لبنان على العكس من الدول العربيّة الأخرى التي امتنعت لأسبابها السياديّة الخاصّة، أكثر بلد معنيّ بقضيّة المخطوفين، والمفقودين والمخفيّين قسراً في سوريا.
ومن هنا نعتبر أنّ موقف لبنان مخجل لأنّه يطمس في مكان ما بالتواطؤ مع النظام في سوريا قضيّة حقّ تعود إلى مئات الأسر اللبنانيّة التي لا تزال تجهل مصير أبنائها المعتقلين في السجون السوريّة. مع ذلك نكرّر أنّ موقف الحكومة اللبنانيّة لا يقدّم ولا يؤخّر أبداً. المهمّ أنّه جرى تمرير القرار، وستنشأ المؤسّسة الدوليّة التي ستُبقي من خلال عملها قضيّة المفقودين والمخفيّين قسراً (معتقلين) حيّة، وتحت المجهر الدوليّ، إلى أن يأتي يوم الحساب مع المسؤولين عن هذه الارتكابات الفظيعة في سوريا خلال الأعوام الاثني عشر الماضية.
طبعاً أنّ القرار يهمّ أوّلاً وقبل أيّ شيء آخر استجلاء مصير عشرات الآلاف من المفقودين السوريّين الذين اختفوا خلال الحرب. والأخيرة لم تنتهِ لغاية اليوم. لكن ثمّة مصلحة لبنانيّة جليّة في كلّ عمل من شأنه إلقاء الضوء على الوضع الإنسانيّ في سوريا، لأنّ هناك مئات اللبنانيّين لا يزال مصيرهم مجهولاً، ونحتاج أن نعرف ماذا حدث لهم.
ثمّ هناك أنّ القضيّة من زاوية إنسانيّة دوليّة يستحيل طمسها لأنّها كبيرة للغاية. من هنا فإنّنا بالمعنى العمليّ نعتبر ما تحقّق إنجازاً مهمّاً، ولم تعد للمبررات والأعذار التي ساقتها الحكومة اللبنانيّة للامتناع عن التصويت على القرار أهميّةٌ تذكر. فالفاعلون معروفون، ومعروفة أهواؤهم، وتوجّهاتهم، وميولهم، وولاءاتهم السياسيّة، وبالتالي لم نُفاجأ بموقف الحكومة اللبنانيّة.
إذا فلنتطلّع إلى المستقبل ونسجّل الإيجابيّات: لقد تحقّق انتصار كبير في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة عبر إنشاء المؤسّسة المشار إليها. وعلينا في لبنان، لاسيّما المعنيّين الحقيقيّين بقضيّة المعتقلين والمفقودين، أن نستفيد من الإنجاز لدفع قضيتنا إلى الأمام بكلّ الوسائل الممكنة، وعبر جميع المسارات المفتوحة أمامنا. والمؤسّسة الجديدة هي أحد تلك المسارات، ولكنّها ليست كلّ المسارات، بل ثمّة مسارات ثنائيّة مع النظام، علماً أنّنا نعرف أنّها لن تؤدّي إلى نتيجة.
وثمّة مسارات قضائيّة دوليّة من المهمّ أن يجري تفعيلها لإبقاء القضيّة حيّة، ولإبقاء ضغط العدالة الدوليّة سيفاً مسلطاً فوق رؤوس المسؤولين. والأهمّ أن تبقى الشعلة متّقدة في لبنان على يد المعنيّين أكان معتقلونا أو مفقودونا أحياء أم شهداء، كي لا نخسر القضيّة الأخلاقيّة والمعنويّة أمام الطغاة. فالطريق طويلة جدّاً في هذا العالم الذي يتغيّر أمام أعيننا. لكنّنا لن نيأس.
علي حمادة – النهار