لتكن “الجراحة” بلا هوادة!

ثمة الكثير من الملاحظات والثغر التي يمكن تسجيلها حيال “المخاض” الذي سبق إعلان قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر” دعم ترشيح جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، ومع ذلك فان تثبيت هذا التطور على النحو الذي حصل لا يبقي مجالا إلا للتعامل الواقعي الصرف مع تردداته وما يمكن التعويل عليه في انهاء ازمة الفراغ الرئاسي. بطبيعة الحال تتجه تطلعات اللبنانيين التوّاقين الى فجوة تنفّس في هذا الجحيم المختنق بشتى الكوارث والأزمات الى مخرج من كارثة انسداد قسري كادت أن تجهز على الديموقراطية اللبنانية بكل معالمها وأصولها وإرثها بحيث لم يعد الخطر الأكبر على هذه الديموقراطية متأتيا من قوى ورثت أنماط الوصاية السورية وتفننت “بتطويرها” نحو الأسوأ والأبشع فحسب، بل من تطبّع اللبنانيين مع كل الانتهاكات والفظائع التي تُرتكب في صلب النظام والدستور.

تبعاً لذلك، ليس غريباً ان نسارع الى التنبيه من مغبة حصر اعلان ترشيح مرشح لمجموعة قوى وازنة في مواجهة النمط الآسر الذي اتُّبع في ترشيح مرشح القوى الأخرى بانه على سبيل نفض تبعة الذريعة التي تُستخدم لتعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم إقران ذلك بنبرة تبرير وتسويغ التوصل الى هذا الترشيح باعتباره لا يستهدف التحدي والاستفزاز وما الى ذلك. ان اخطر ما التصق وبات علامة مَرضية سقيمة في الديموقراطية اللبنانية، من خلال ازمة الشغور الحالية وقبلها الازمة السابقة التي تمادت لسنتين ونصف سنة قبل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون، ان اقترب مفهوم المواجهة او المعركة الديموقراطية على الرئاسة الأولى تحديدا من مفهوم سقيم هو أقرب الى شيطنة الأصول الديموقراطية ودفنها تحت ركام التوافقية القسرية التي كان “اتفاق الدوحة” المشؤوم أسوأ ما كرّسها اطلاقا منذ اتفاق الطائف. لقد تخلّت القوى السيادية منذ ذاك الوقت، تحت وطأة الاندفاعات الدموية الفتنوية لفريق الممانعة بدءا من فتنة 7 أيار و11 أيار بلوغاً الى الساعة، عن اهم ما كان ينبغي رفضه والمضيّ في المقاومة المضادة له وهو فرض الأعراف والانماط القاتلة للتنافس الديموقراطي في مواقع سيادية أساسية مثل رئاسة الجمهورية أولا وأخيرا. حصل الآن ان “اعجوبة” تفاهم تحققت بين قوى المعارضة والتيار العوني بما يشكل واقعيا تكتلا عريضا هو الأكبر للقوى المسيحية طائفيا وليس سياسيا، لأن ما بين “القوات اللبنانية” من جهة والتيار العوني من جهة أخرى في السياسة والشارع ما لم يصنعه الحداد من سوابق خلافية ودامية. والفضل، معظم الفضل على الأقل، في الانقسام الطائفي العمودي السائد في الازمة الرئاسية والسياسية، يتحمله الفريق الذي استخفَّ او تعمَّد او يريد ذلك قصداً باستدراج خصومه الى الحفرة الطائفية فكان ان نشأ مشهد يُخشى ان يحوّل الاستحقاق الرئاسي من محطة استعادة لبنان للقليل من مهابته وصورته المحترمة المهدورة والممزقة والمهترئة الى شيء آخر ينذر بالاسوأ اذا مضى العازفون على وتر الفرز الطائفي بهذا المّوال البشع.

ولأن الامراض الخطيرة القاتلة لا تعالَج إلا بالجراحات الذكية الجريئة التي تمليها درجات تطور الخطورة، فان ما حصل قد حصل وبتنا امام صورة معركة لا ينقصها سوى فرض النظام والدستور ولا أي فرض آخر. ان الأخطر من أي انتهاك جديد محتمل للدستور والنظام سيكون في التردد والاستسلام لمنطق الخجل بإعلان معركة ديموقراطية لا هوادة فيها لإنقاذ النظام والدستور واللبنانيين من هذا الابتزاز العدواني.

 

نبيل بومنصف – النهار