“حُلُم” و”المَبرَّات” وحدود الحرية

صحيح أن اهتمامنا منصبّ على مبعوث الرئيس ماكرون الذي حلَّ في ديارنا لحلّ الاستعصاء الرئاسي، لكن هذه الأزمة التي قد تطول يجب ألا تثنينا عن نقد ظواهر خطرة، حتى ولو كانت حساسة وتدخل عند كثيرين في باب المحرمات.

مناسبة القول هي أن النيابة العامة التمييزية تبرّعت الأسبوع الماضي بقبول دعوى أقامها المركز الإسلامي الثقافي التابع لـ”جمعية المبرّات الخيرية” ضد جمعية “حلم” التي تدافع عن المثليين وحقوق المختلفين جنسياً. والجمعية التي يديرها السيد علي فضل الله نجل الراحل المتسامح الكبير السيد محمد حسين فضل الله، نصَّبت نفسها في هذه القضية مسؤولة عن الأخلاق العامة ورقيباً على سلوك الناس الجنسي باسم الأخلاق والدين، وهو ما يشبه دعاوى “الحسبة” التي درج الإسلاميون المتطرفون في العقود الماضية على إقامتها في مصر تحديداً ضد المفكرين المنفتحين والمجتهدين الذين يرفضون سجن الدين في قوالب جامدة وإخضاع النص لتفسيرات “داعشية” لا تتلاءم مع تطور المفاهيم والحياة.

لا ندافع عن “حلم” بالمطلق. والموقف من المختلفين جنسياً سهل وبسيط. فلا يحق لأحد الإفتئات على حرياتهم الشخصية مثلما لا يجوز لهم تحويل الاختلاف المشروع الى مشروع ترويج لما يخالف الطبيعة البشرية عموماً، أو تحويل القبول بالميول الى توجيه للميول، أو استغلال واجب الشرح للناشئة عن الاستعدادات الجينية بغية التطبيع الكامل مع المثلية وتشجيع غير المثليين على التحوّل.

هناك قوانين تحمي الحريات العامة وبينها حق المثليين في ممارسة حريتهم. وربما يحق للنيابة العامة أن تبادر الى تحريك دعوى لو رأت إخلالاً بالقانون وتجاوزاً للحد المسموح من الحرية، لكن ما دخل “جمعية المبرّات” لتتحدث في دعواها باسم القيم الإسلامية والمسيحية على السواء فتطلب حلّ جمعية “حلم” ووقف أي نشاط علني تقوم به؟.

حان الوقت لتفهم الجمعيات الدينية أننا نعيش في دولة مدنية قانونها وضعي، وأن الدستور، إذ احترم الأديان، فإنه لم يفرضها على المواطنين ولم يقل إننا “أمة مؤمنة”. ثم فليطَّلع المعادون لحرية الاختلاف الجنسي على موقف الكنائس المسيحية الغربية من المثلية وكيف أن بعضها يجيز زواج المثليين ولم يعد هذا الموضوع جريمة في نظر المجتمعات المتطورة على العموم، حتى ولو دخل في المبالغة المكروهة في الولايات المتحدة بالتحديد.

نحن في لبنان وحتى إشعار آخر نعيش تحت سقف دستور يساوي بين المواطنين بلا تمييز لا في الدين ولا في العرق ولا الجنس. وإذا كانت الأحوال الشخصية لا تزال منوطة بالطوائف فذلك بسبب النظام الطائفي وعجز القوى المدنية عن فرض أحوال شخصية موحّدة أو اختيارية وليس لأن السلطة المعطاة لرجال الدين مُنزلة أو حق أصلي.

كلّ الحريات يجب أن تمارس تحت سقف الدستور والقانون. وواجب النيابات العامة ألا ترتخي أمام ضغوط دينية أو غير دينية تسيء الى قانوننا المدني الذي يجب تطويره نحو المزيد من الحريات.

 

 

بشارة شربل – نداء الوطن