بعدما صارت ايران دولة نووية…

ماذا يحدث بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟ حركة لا تهدأ منذ عدة أشهر بين واشنطن والرياض، فخلال أقل من شهر زار المملكة أعلى المسؤولين في الإدارة الأميركية بدءاً من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأخيراً كبير مستشاري الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.

في الوقت عينه، امتلأت صحف أميركية كبرى مثل “النيويورك تايمز” و”الوول ستريت جورنال” وموقع “اكسيوس” وغيرها بمعلومات يبدو أن الإدارة الأميركية رغبت بتسريبها عن فحوى الحركة التي لا تهدأ ومحورها ثنائي البعد: مفاوضات حثيثة بين واشنطن والرياض حول مشروع تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وتوازيا صفقة سعودية – أميركية أهم ما فيها انخراط أميركي في تطوير برنامج نووي سعودي متكامل للأغراض السلمية.

وعلى مستوى آخر، تحرر واشنطن في ما يتعلق بصفقة نووية غير مكتوبة يجري الإعداد لها بينها وبين طهران بشأن الاتفاق النووي، تقوم على أن تقبل الأولى بأن تصبح الثانية “دولة عتبة” نووية مع التزام منها بأن لا تتخطى هذا الحد، أي ألا تصنع قنبلة نووية.

إذا ما صدّقنا التسريبات في الصحف والوسائل الإعلامية الأميركية الكبرى، فإننا قد نكون أمام تطور استراتيجي كبير في الأشهر المقبلة، لا سيما أنه يبدو أن الإدارة الأميركية تريد أن يتم كل شيء في غضون ستة الى سبعة أشهر من الآن، حين تبدأ السنة الأخيرة في ولاية الرئيس بايدن، وينخرط أكثر في حملته الانتخابية. ولكي تنجح هذه الحزمة المترابطة من “الصفقات” بين شركاء ثلاثة، شروط متقاطعة.

فالتطبيع السعودي مع إسرائيل دونه شرط سعودي تاريخي يتعلق بالتوصل الى اتفاق مع الفلسطييين يمنحهم دولة كما ورد في مبادرة الملك عبدالله في قمة بيروت 2002 (الأرض مقابل السلام).

والبرنامج النووي السعودي شرطه قبول إسرائيل بخطوة متقدمة لم تصلها دولة الامارات العربية المتحدة عندما أطلقت برنامجها النووي للأغراض السلمية قبل أعوام، ألا وهو قيام الرياض بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، فضلاً عن مواجهة الاعتراضات داخل الكونغرس الأميركي على انخراط أميركي ببرنامج نووي سعودي، حتى لو كان لأغراض سلمية.

طبعا لا تكتفي السعودية بالإصرار على حقها في تطوير برنامج نووي على أراضيها، لكنها تصر حسب الاعلام الأميركي المشار اليه آنفاً على توقيع اتفاقية امنية متقدمة مع الولايات المتحدة تتعهد بموجبها أميركا بالدفاع عن السعودية بحال تعرضها لهجوم، ورفع القيود عن مبيعات الأسلحة الاميركية المتطورة.

وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة الى انجاز اتفاق تطبيع تاريخي بين السعودية وإسرائيل، سينعكس إيجابياً على حملة الرئيس بايدن، ويسهم في الحد من تقرب السعودية من الصين، المنافس الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة.

من جهتها، لا تستطيع إسرائيل أن تتمسك الى الأبد بشرطها في منع تخصيب اليورانيوم عن أي بلد في المنطقة مخافة أن يصل يوم ويصبح فيه البرنامج ذا أغراض عسكرية. فاتفاق سلام وتطبيع مع السعودية سيمنح حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دفعاً كبيراً، ويشكل حدثاً تاريخياً لما تتمتع به السعودية من مكانة عربية وإسلامية عالمية، والثمن لاتفاق مع السعودية باهظ ولا مناص من تسديده لانجاز الاتفاق. فهذا الاتفاق يمكن أن يخفف من اندفاع السعودية نحو علاقات أكثر دفئاً مع ايران في ضوء اتفاق بكين الذي جرى التوقيع عليه قبل ثلاثة أشهر.

إذا صحت المعلومات التي يجري تداولها في الإعلام الأميركي، فإن المرحلة المقبلة ستحمل تطورات كبيرة في المنطقة. لكن مع أن مشروع اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل مهم، وكذلك تعزيز التعاون الأمني بين السعودية واميركا، والشروع بتطوير برنامج نووي سعودي متكامل، فإن الحقيقة الصعبة التي سيتعين التفكير فيها ملياً، هي أن إيران صارت فعلاً دولة نووية، والعالم يتعلم كيفية التأقلم مع هذا الواقع الخطير الجديد.

لذلك، فإن كل الصفقات السياسية والأمنية لن تقلل من فداحة الموقف بعدما صارت إيران دولة نووية.

 

علي حمادة – النهار العربي