الخلاصة الأولى التي يمكن الخروج بها من الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية يوم أمس، أن “الثنائي الشيعي” فشل مرة جديدة في فرض مرشحه سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. فعلى الرغم من فائض القوة المترجم على الدوام في اللعبة السياسية، فقد تمكنت المعارضة السيادية و”التيار الوطني الحر” من منع ترجمة فائض القوة بتنصيب رئيس للجمهورية من فريق الممانعة. صحيح أن القوى السيادية والمعارضة لإملاءات “حزب الله” و”حركة أمل” لم تحقق نتيجة كانت تصبو إليها في صندوقة الاقتراع، غير أنها حققت ما يكفي لقطع الطريق على محاولة “حزب الله” تنصيب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. والحال أنه يمكن وصف الواقع على أنه فشل حقيقي لـ”حزب لله” وحلفائه، وفي المقابل هو فوز جزئي للمعارضة و”التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل. هذا ليس شأناً بسيطاً في بلد يهيمن فيه “حزب الله” على السياسة، والأمن، والقرار السيادي منذ تسوية ٢٠١٦. إنه عامل مستجد في المعادلة السياسية حيث بدأت علامات التفلت من سيطرة “حزب الله” وهيمنته تبرز أكثر فأكثر، الى حد أن يعجز الحزب المذكور عن تأمين أصوات في مجلس النواب تفوق أصوات المرشح جهاد أزعور، أقله لضمان أرجحية عددية لمرشحه سليمان فرنجية. وبكل موضوعية هذه نكسة لـ”حزب الله” مهما حاول أن يحرف الأنظار عنها بقراءات غير واقعية للمشهد اللبناني، ولا سيما أنه اعتبر منذ اجتماعات سان كلو في فرنسا في تموز ٢٠٠٧ أنه ورث عن الوصاية الاحتلالية السورية وظيفة ناظم الحياة السياسية والأمنية في البلاد.
الاستحقاق الرئاسي الحالي بتطوراته يعكس التغيير الذي بدأ يحصل على صعيد المجتمع اللبناني. فوظيفة الناظم الأمني والسياسي تجد من يتحداها رافضاً أن تصبح قدراً محتوماً. ومن هنا جرى إسقاط قرار “حزب الله” تنصيب سليمان فرنجية رئيساً رغماً عن شرائح واسعة من اللبنانيين، وتالياً إعادة نوع من التوازن الى الحياة السياسية في البلد.
لقد أُفشِلَ “حزب الله”، لكن ضرره كبير على البلاد، لأنه بعناده يتسبّب بإطالة أمد الفراغ القاتل في البلد. ولأنه يستسهل أخذ البلاد بأهلها رهينة شريطة الخضوع له. وبما أننا نتحدث عن الخضوع والإذعان، نقول إنه تأتي أيام يخضع فيها البعض فترة من الزمن، لكن يستحيل أن يخضع الناس الى الأبد. من هنا قراءتنا الإيجابية لما جرى البارحة في مجلس النواب، وخصوصاً أن مسارعة نواب “الثنائي الشيعي” وحلفائهم الى تطيير النصاب فيما كان يجري تعداد الأصوات لأكبر دليل على أن الثنائي نفسه فقد الثقة بقدرته على “ضبط” الساحة السياسية اللبنانية، فآثر “السلامة” وطيّر النصاب تلافياً لانعقاد جلسة ثانية خشية أن يحقق جهاد أزعور نتيجة أفضل فيحصد من الأصوات الإضافية ما يكفيه إما أن يفوز أو أقله أن يلامس حاجز الـ٦٥ صوتاً الكافية لفوزه في الدورة الثانية.
إن الطريق طويلة لتحرير لبنان من هذه الهيمنة. والاستحقاق الرئاسي الحالي مناسبة ثمينة جداً في تاريخ لبنان الحديث لبلورة حالة مُقاومة للوضع الشاذ المفروض فرضاً على اللبنانيين منذ عام ٢٠٠٥. وفي كل الأحوال نعتبر أن المعارضة بأطيافها كافة ومعها الكتل المسيحية الكبرى نجحت يوم أمس في اختبار كبير وصعب.
علي حمادة – النهار