رسالة الاستعراض العسكري ومغزاه

لم يكن “الحزب” مضطراً لاستعراض عضلاته يوم الأحد في الجنوب، لكي يذكّر إسرائيل بقدراته الصاروخية التي لا تخفى على أحد. جل ما في الأمر أن الاستعراض المسلح من فوق رأس الدولة اللبنانية النائمة نوم أهل الكهف كان رسالة موجهة الى اللبنانيين لتذكيرهم بغزوتي ٧ و١١ أيار في بيروت والجبل، وبالقمصان السود التي انتشرت في شوارع بيروت لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في سياق الانقلاب على توازنات البلد. إنها عملية تذكيرية هدفها القول للداخل إن كل المتغيّرات الحاصلة على مستوى الإقليم، من الاتفاق السعودي-الإيراني، الى الانفتاح على النظام السوري، بما تتضمّن من بنود وردت في الوثائق المعلنة من بكين الى جدة، لا تغيّر في المعطى اللبناني شيئاً. بمعنى أن “حزب الله” يحتفظ بدوره كمرجعية أمر واقع في لبنان بالسلاح غير الشرعي والترهيب، وذلك بصرف النظر عن مطلق أي اتفاق إقليمي. إنه يقدم نفسه كقوة لبنانية داخلية، لا يطولها البند الذي ورد في جميع الوثائق من بكين الى جدة مرتين مروراً بعمان، الذي يدعو الى احترام سيادة الدول، ورفض التدخلات الخارجية. فإن كان المعنى أن تتدبّر كل دولة شؤونها كما ترتئيها، فـ”حزب الله” يقدّم نفسه جزءاً من السيادة اللبنانية بإعتباره فصيلاً لبنانياً، والقرار بشأن سلاحه داخلي لا خارجي. طبعاً هذه هرطقة كبيرة. فما من أحد يصدّق أن سلاح “حزب الله” شأن داخلي، مثل مرجعيته العليا في طهران، ووظيفته الإقليمية. أما وظيفته الداخلية في لبنان فمعروفة الأهداف، حيث إنها جزء من وظيفة إقليمية تقضي بتحويل لبنان الى منصة دائمة خدمة للوظيفة الأصلية. ومن هنا خطورة ما يفعله الحزب المذكور. فالتمدد خطير ولا سيما في أحشاء هذا البلد، عبر الأمن، والعسكر، والاتصالات، والديموغرافيا، والعقارات، فضلاً عن استتباع مؤسسات الدولة بشكل شبه كامل، وإخضاع معظم القيادات المتربّعة على عروش من ورق، وهي التي تستطيب التبعية من فوق فيما تفرض تبعيات على تحت.

من هنا فإن التمرين الحربي الذي واجهه أهل السلطة بـ”تكتيك النعامة”، يمثل خطوة أخرى على طريق ابتلاع هذا البلد بمساعدة معظم القوى المتواطئة أو المستسلمة لا فرق. ومعركة الرئاسة الحالية تدل في مكان ما على أن الحسابات الضيقة تهيمن على اللعبة أكثر من الحسابات ذات الطابع الوطني. فبعض من سمّوا معارضة يتحينون الفرصة للقفز الى سفينة “حزب الله” بعد تأمين صفقة بحدها الأدنى. هؤلاء يتموضعون ضمن ما يُسمّى معارضة، من أجل اقتناص صفقة مع “حزب الله”، وطعن معارضي تنصيب سليمان فرنجية في الرئاسة. هذه مشكلة لا تقتصر على بعض المكوّن المسيحي، وإنما تتعدّاه الى بعض القوى في الضفة الطائفية الأخرى!

لقد كشف استعراض “حزب الله” العسكري، كما كشفت مسرحية “الصواريخ اللقيطة” مطلع شهر نيسان الماضي، عن مروحة التواطؤ الواسعة على مستوى مسؤولي الدولة، ومعظم القيادات السياسية مع “حزب الله” على حساب القرار السيادي، ومنطق الدولة والقانون. ولذلك نستبعد أن يخرج لبنان من أزمته سريعاً. فعناصر الأزمة لا تزال تطغى، وانتخاب رئيس ولاؤه لـ”حزب الله” والمحور سيفاقم الأزمة الوطنية التي يشكل مشروع “حزب الله” عنصرها الأول!

 

علي حمادة – النهار