الحاكم حوصر أوروبياً والآتي أعظم؟

قد يكون توقيت الادعاء الألماني على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد الادعاء الفرنسي، شكل صدمة للأوساط السياسية القلقة من التطورات القضائية المتسارعة في هذا الملف، خصوصاً وان القضاء الألماني اصدر مذكرته قبل ان يوجه الاتهام او دعوة الاستماع الى سلامة، وذلك انطلاقاً من ان سلامة تحول الى “مطلوب من العدالة” نتيجة مذكرة الانتربول، وبات التعامل معه على هذا الأساس، وليس على أساس انه مشتبه به. الا ان هذا التوقيت لم يكن مفاجئًا للاوساط القانونية المواكبة لهذا الملف التي رأت في الاجراء الألماني استكمالاً لمسار بدأته فرنسا من ضمن المسار القضائي الأوروبي، ولا يستبعد ان يستتبع باجراءات مماثلة من الدول حيث هناك دعاوى في حق سلامة مثل سويسرا واللوكسمبورغ وبلجيكا وليخشنشتاين. هذا المسار أعاد وضع الملف في مساره القضائي بعدما ترددت اخبار في الوسطين السياسي والإعلامي عن ان تحرك القضاء الفرنسي لا ينفصل عن الخلفية السياسية التي تحكم مبادرة باريس حيال الاستحقاق الرئاسي، وعجّل في الوقت عينه من تدحرج كرة الثلج التي لا يستبعد المراقبون ان تطال شظاياها سياسيين وأصحاب نفوذ، بعدما باتت السلطات القضائية في عدد من هذه الدول تملك قاعدة معلومات تفصيلية عن هؤلاء، كما باتت قادرة على توجيه اصبع الاتهام الى البعض منهم، ممن استكمل ملفهم في شكل كامل، وفق ما افصحت مصادر قانونية مطلعة على مسار التحقيقات. وفي حين تتحفظ هذه المصادر عن كشف ما تملك من معلومات حفاظًا على سرية التحقيق، الا انها تؤكد ان التحقيقات في ملف شركة فوري، بينت ربطاً واضحاً بين مصادر أموال المشتبه بهم، فضلاً عن تهم أخرى مثل إعاقة حسن سير العدالة او صرف النفوذ واستغلاله. وهذا سيؤدي الى توجيه الأصابع إلى رؤوس ومراجع كبيرة ستتكشف تباعاً، خصوصاً وان قانون السرية المصرفية بتعديلاته الجديدة بات يسمح برفعها عن الحسابات المشتبه بها.

وترى المصادر عينها ان ما يحصل هو ان صندوق باندورا فُتح، حاملاً مفاجآت للبعض وصدمات للبعض الآخر ستغير المشهد الداخلي وترسم مساراً جديداً.

هل هذا يعني ان تسارع الإجراءات القضائية سيغير في موقع الحاكم او سيدفع الى اقالته او دفعه الى الاستقالة؟

ليس بالضرورة، تجيب المصادر، ما دامت السلطة السياسية قررت تسليم الملف الى القضاء، والتزمت تطبيق قانون النقد والتسليف، لا سيما في ما يتصل بالمادة ٢٥ التي تحدد آلية ملء الشغور في موقع الحاكمية، وتقضي بتولي النائب الأول للحاكم وسيم منصوري.

اما بالنسبة الى الهواجس حيال أي مخاطر قد تترتب عن تسلم منصوري او ربما افتقاده الى الخبرة في تولي مسؤولية الحاكمية، سيما وان الحاكم كان دائماً عرضة للانتقاد بأنه يتفرد في اتخاذ القرارات ولا يشرك نوابه او المجلس المركزي في القرارات والإجراءات المتخذة او التعاميم الصادرة عن المجلس، فإن المعلومات المتوافرة من مصادر موثوقة تؤكد بأن منصوري اكتسب في الأعوام القليلة الماضية خبرة وتجربة، وبنى شبكة علاقات وطيدة مع المؤسسات الدولية التي يحظى باحترامها، كما ان السياسات النقدية الأخيرة كان مشاركاً اساسياً فيهاً وكان مكلفاً من الحاكم برسمها او ارسائها. وقد بلغ الامر بأحد المصرفيين القول بأن سلامة سيكون بعد انتهاء ولايته حاكم الظل. كذلك تؤكد المصادر ان الاميركيين لا يمانعون تسلم منصوري، الذي سيكون محكوماً بقرارات المجلس المركزي، ولن يلجأ الى التفرد او تغليب مصالح الفريق السياسي الذي يدعمه، لأن المصرف المركزي موضوع تحت المجهر الأميركي والدولي في شكل مركز، واي اجراء او خطوة من خارج الاطار القانوني، ستعرض لبنان للعقوبات وللخروج من النظام المالي العالمي.

وفي هذا الاطار، تشير المصادر الى ان المسار القضائي الذي بدأ مع سلامة سيترافق مع دفعة جديدة من العقوبات الأوروبية. وعلم في هذا الصدد ان الوفد الأوروبي الذي زار لبنان أخيرا يعد تقريره لرفعه الى البرلمان الأوروبي ويتجه الى طلب العقوبات في اطار مكافحة الفساد المستشري. والوفد كان دعا دول أوروبا في بيان أصدره بعد ٢٠ اجتماعاً عقدها مع مسؤولين لبنانيين الى “مساعدة لبنان للخروج من الهاوية وإنقاذ ديموقراطيته وشعبه قبل فوات الأوان، مع التأكيد على موقفه بأن المسؤولية في الازمة الراهنة مشتركة على مستوى كل المجموعات السياسية”. وقد دعا البيان “المؤسسات الأوروبية الى البدء بتنفيذ نظام عقوبات قوي ضد السياسيين والمصرفيين الفاسدين وجميع المتورطين في الفساد، والتنديد بهؤلاء الذين اساؤوا استخدام سلطتهم ونفوذهم، حيث حصل العديد منهم على عقارات في أوروبا في شكل غير قانوني”. وفي ما يتعلق بالحاكم، رأى بيان الوفد الأوروبي انه “ينبغي ان يكون هو وبعض مساعديه مسؤولين امام المحاكم عن ممارساتهم التي كلفت بلادهم المليارات”.

 

سابين عويس – النهار