كانت الضربة التي وجّهتها إسرائيل الى “حركة الجهاد الإسلامي” في غزة فجر الثلثاء الفائت مدبّرة ومدروسة. ومن الواضح ان الإسرائيليين قد تحسّبوا لردود الفعل، التي يمكن ان تتجاوز اطار الرد المباشر من قِبل “الجهاد الاسلامي” ليتوسع الى رد تتدخل فيه حركة “حماس” انما بحدود نظراً الى ان الضربة لم تشمل “حماس”، كما ان الضربات اللاحقة رداً على اطلاق صواريخ على “غلاف غزة” وعلى وسط إسرائيل وصولا الى تخوم مطار بن غوريون، وتل ابيب لم تستهدف أهدافاً حيوية لحركة “حماس”، ولم تلامس حتى كتابة هذه السطور وسط مدينة غزة. فيما رهان إسرائيل ان تستمر الجولة أياما عدة، ثم يجري استيعابها من قِبل “حماس” ومعها الوسيط المصري، فيتم تبادل الرسائل الدموية وتجنب توسيع نطاق المواجهة الى الاطار المسمى “وحدة الجبهات” التي شكلت صواريخ حركة “حماس” التي اطلقت من الجنوب اللبناني قبل ثلاثة أسابيع في اتجاه شمال إسرائيل اعلانا صريحا لولادتها. وكأن قواعد الاشتباك تغيرت بقرار إيراني نفّذه “حزب الله” مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وبقية الفصائل الأقل أهمية من لبنان بالتلويح بأن أي مواجهة مقبلة ستفتح على إسرائيل جبهتين: الأولى من غزة، والثانية من لبنان، إضافة الى جبهة الداخل في أراضي 1967، او خلف الخط الأخضر (أراضي 1948). هذه معادلة فُرضت نوعا ما على إسرائيل على اثر الاشتباك الأخير. كما ان لبنان تعامل معها على انها امر واقع، حيث لم يجرؤ المسؤولون اللبنانيون ومعظم القيادات السياسية الرئيسية على انتقاد “حزب الله” وحتى حركة “حماس” والفصائل الفلسطينية المعنية لا مباشرة ولا مواربة. كل ما في الامر انه جرى التعامل مع هذه القضية الخطيرة كما لو انها حصلت في بلد آخر.
ما يهمنا اليوم هو ان تُكفّ الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين على جميع المستويات. انما الأهم بالنسبة الينا هو ان يبقى لبنان محيّدا تماما عن القتال، وان لا يكون مبدأ “وحدة الجبهات” مفروضا على البلاد، وبالتالي ان يبقى “حزب الله” خارج ما يحصل لان القتال هناك لا يجوز ان يُفرض علينا نحن في لبنان، بقرار “منزل” من رأس المحور في طهران. نحن مع ان يقاوم الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي بكل ما اوتوا من قدرة وقوة، لكن ارضنا لنا وحدنا، وهي غير معروضة للبيع من محاور مقاومة او ممانعة او ما شابه الاثنتين.
انطلاقا مما تقدم، نحن نعلن تضامننا مع الفلسطينيين، لكننا نرفض سلفا أي كلام عن “وحدة الجبهات” التي يريد “حزب الله” فرضها علينا، وتفعيل السلاح الفلسطيني من ارضنا أكان في الجنوب او ساحل جبل لبنان، او سهل البقاع، والشمال.
من الأفضل ان يجري استيعاب المواجهة الحالية بين “الجهاد الإسلامي” في غزة والإسرائيليين، لسبب أساسي، هو ان التوقيت اختاره الإسرائيليون، ثم لان توسع نطاق المواجهة ليشمل مدينة غزة المزدحمة بالسكان سيؤدي الى احداث ازمة إنسانية كبيرة. اما توسيعه ليشمل لبنان فهذا معناه اقحام بلد بأسره ضد رغبة شعبه المتضامن مع الفلسطينيين، لكنه يقول كفى لم يعد بوسعنا تحمّل المزيد من المتاجرة بأمننا وسلامتنا وحقوقنا الوطنية على ارضنا.
علي حمادة – النهار