سوريا بين تجميع الأوراق… وحرقها

مقتل «أسكوبار المخدرات» في سوريا، بواسطة غارة من سلاح الجو الأردني في العمق السوري، لا يمكن أن يحدث لولا التنسيق الأردني- السوري، ولو لم يكن كذلك، لكانت صدرت بيانات الاستنكار السوري «لانتهاك الأردن للسيادة السورية»، لكن ما حدث يثبت أنّ العملية العسكرية قام بها الاردن بـ»قبّة باط» سورية لتصبَّ أهدافها في مصلحة «الراعي الديبلوماسي السعودي»، كجزء من صفقة عودة سوريا إلى الجامعة العربية وفق سياسة «خطوة مقابل خطوة»، خطوة ديبلوماسية من السعودية، تقابلها خطوة ميدانية من سوريا، وهكذا دواليك، إلى أن يكتمل عقد العودة إلى علاقات طبيعية بين الرياض ودمشق.

بارعٌ النظام السوري في تجميع الأوراق بين يديه، واستخدامها في أي تفاوض لاحق بهدف أوّلي هو المحافظة على نفسه وديمومته قَدْر المستطاع:

فهذا النظام هو الذي يجمع أوراق ما يمكن تسميته بـ»ملف الكابتاغون» واستخدامها إما في التداول الديبلوماسي، وإما في قبض ثمنها في حال صدر قرار بإحراق هذه الأوراق، فيتم ذلك ولكن في مقابل قبض الثمن، تعويضاً عن هذا الإحراق.

الغارة الاردنية على «اسكوبار الكابتاغون»، هي جزء من إحراق سوريا لإحدى الأوراق التي في يدها، إنّه «مرعي رويشد الرمثان» من قرية الشعاب القريبة من الحدود الأردنية – السورية في ريف السويداء.

ماذا عن التوقيت؟ تأتي هذه الغارة الاردنية النادرة من نوعها داخل سوريا، بعد أقل من أسبوعين على ما صدر في عمان إثر اجتماع وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية، والذي تحدث عن «تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية». وأهم ما في البيان أنّ سوريا «ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل من سياسيين وأمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب».

هل بدأ «اتخاذ الخطوات اللازمة»؟ يبدو أنّه كذلك!

أُحرِقت الورقة الأولى ببيعها إلى السعودية عبر الموافقة على الغارة الاردنية، والبقية تأتي…

ليست المرة الأولى التي ينتهج فيها النظام السوري هذه الاستراتيجية، مَن يتذكّر عبدالله اوجلان، قائد حزب العمال الكردستاني، المعادي للنظام التركي، الذي كانت تتمركز معسكراته في البقاع اللبناني، برعاية وحماية النظام السوري ومخابراته في بيروت، وبمتابعة لصيقة من اللواء غازي كنعان؟ ألم يرفع النظام السوري أيام الرئيس حافظ الأسد الغطاء عن عبدالله اوجلان ومعسكراته، فـ»يُخطَف» أوجلان، في عملية استخباراتية الى تركيا؟

مَن يتذكَّر «كوزا أوكاموتو»، قائد عملية مطار اللد؟ في عيون الفلسطينيين كان «بطلاً». بعدما أمضى سنوات عدة في مخيمات الجيش الأحمر الياباني والجبهة الشعبية في البقاع في شرق لبنان، اعتقل الأمن اللبناني أوكاموتو في العام 1997 في قضية تزوير مستندات.

هذه واحدة من عمليات»البيع والشراء».

وتنتعش الذاكرة، الرهائن الغربيون، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ألم يُخطفوا في بيروت ويُسلّموا في دمشق؟ لتنهال بيانات الشكر للنظام السوري بعد إطلاقهم؟

النظام السوري بارع في تجميع الأوراق ووضعها على الطاولة حين تحين مواعيد المفاوضات و»البيع والشراء»، يعرف جيداً أنّ في السياسة وفي الديبلوماسية، هناك مَن يريد أن يشتري، لذا عليه أن يكون جاهزاً ليبيع «الرؤوس»، سواء أكانت رؤوس قادة أو عصابات، طالما أنّ هناك دائماً مَن يشتري، ويبدو أننا في مرحلة جديدة من مراحل البيع والشراء.

 

جان الفغالي – نداء الوطن