أيا تكن القرارات وخلاصات النقاشات الوزارية لمصير حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، فإن السلطة السياسية لا تملك حق القرار، ما دامت لا تجتمع كسلطة تنفيذية على طاولة مجلس الوزراء لاستصدار إجراءات في حقه، لا تخرج عن مندرجات قانون النقد والتسليف الذي لا يجيز اقالة الحاكم الا في حالات محددة، لا يعود للحكومة تنفيذها الا في ما يتصل بالاخلال بالوظيفة او لعلة صحية، كما جاء في المادة ١٩. ف”فيما عدا الاستقالة الاختيارية، لا يمكن اقالة الحاكم من وظيفته الا لعجز صحي مثبت بحسب الأصول، او لاخلال بواجبات وظيفته في ما عناه الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، او لمخالفة احكام المادة ٢٠ او لخطأ فادح في تسيير الاعمال”. ويستطرد القانون في مادته العشرين بالإشارة الى انه ” يحظر على الحاكم خلال مدة ولايته ان يأخذ او يتلقى أي منفعة في مؤسسة خاصة. والمنفعة تعتبر كل مساهمة او اشتراك في أي شكل او أي وسيلة كان، حتى بطريقة الإقراض البسيط. ولا يعتبر منفعة امتلاك محفظة سندات مالية مصدرة من شركات مغفلة”.
أي من هذه المعايير تنطبق على حالة الحاكم؟هو لا يشكو علة صحية ولم يخل بواجباته الوظيفية، طالما انه غطى كل قراراته التنفيذية بقرار السلطة السياسية. لكن أي اجتهاد او تفسير لمسألة الإقراض او تلقي منفعة عامة يعود الى القضاء البت به، ما يجعل مصير الحاكم بكل بساطة في يد القضاء.
والسؤال، هل ينتظر القضاء انتهاء الولاية ليتحرك، بعد ان ترفع الحصانة عن سلامة، او ينتظر قرار السلطة السياسية التي يعود لها تقييم انعكاسات الإقالة في سوق مضطرب اساساً وأزمة نقدية ومالية غير مسبوقة، علماً ان السبب الوحيد الذي يمنع السلطة السياسية من التحرك لا يعود لحرصها على الوضع النقدي، وهي لم تفقه شيئًا فيه منذ اندلاع الازمة قبل اكثر من ثلاثة أعوام، وليس لأنها لا تملك الحل البديل، في ظل عجزها عن عقد جلسة لمجلس الوزراء لتسمية حاكم جديد، بل لخوفها مما سيرتبه تسليم رقبة سلامة الى المحاكمة من افصاح عن معلومات هي شديدة الحرص على عدم كشفها امام الرأي العام، اذ تؤكد مسؤوليتها وشراكتها في ضياع أموال المودعين.
يساعد السلطة السياسية على عدم السير في هذا الخيار الرغبة الأميركية بأن ينجز سلامة ولايته والا يغادر قبل ذلك.وقد بدا لافتاً امس التعليق الأميركي الأول من نوعه على قضية الادعاء الفرنسي على سلامة اذ رد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الامن القومي جون كيربي على سؤال حول هذا الموضوع، فقال انه يجب طرح السؤال على السلطات الفرنسية علها تقدم الجواب. وفهم من هذا الكلام ان الموقف الفرنسي لا يرمي الى مكافحة الفساد بقدر ما يأتي في سياق خلفية سياسية تربط بين انتخاب سليمان فرنجية رئيسًا للجمهورية وتعيين حاكم قريب من التيار الوطني الحر، في اطار المقايضة الرامية الى حصول باريس على غطاء مسيحي للانتخاب فرنجيه.
في الاطار عينه، تعول الحكومة على ان قانون النقد والتسليف استدرك هذا الخيار، فأقر انتقال صلاحيات الحاكمية الى النائب الأول للحاكم بموجب المادة ٢٥، واستدرك أيضاً احتمالية تعذر تولي النائب الأول فأجاز تولي النائب الثاني وفق المادة ٢٦.
اذن، الحل موجود ولا داعي لقلق السلطة. فالامين العام لحزب الله قدم الحل بعد مقارنته وضع الحاكم بوضع المدير العام للامن العام. فقال انه كما غادر اللواء عباس ابرهيم وتولى العميد البيسري مهامه بالوكالة، هكذا يغادر سلامة ويتولى نائبه مهامه. علماً ان رئيس المجلس نبيه بري يؤكد ان وسيم منصوري لن يتسلم تلك المهام احترامًا لموقع الحاكم ورغبة بعدم تحمل كرة النار النقدية، ودفعاً نحو انتخاب رئيس.
في الموازاة، هكذا بدا الاجتماع الوزاري الذي عقد في السرايا الحكومية امس برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، مرتاحاً وغير قلق، بدليل انه لم يصدر الا بيان مقتضب يشير الى انعقاد الاجتماع ويحدد جلسة لمجلس الوزراء يوم الجمعة من دون ان يحدد ما اذا كان هذا الموضوع سيكون على جدول الاعمال المرتقب الاعداد له وتوزيعه على الوزراء. أي ان الجلسة الاستثنائية لن تكون ببند وحيد بل اكثر!
حرص الوزراء بعد اللقاء على الالتزام بالصمت حيال المباحثات او القرارات ، رغم انهم استفاضوا بالبحث في مذكرة الانتربول وكيفية التعامل معها. وكان التوافق على أهمية تحصين المصرف المركزي كاحد اهم مؤسسات الدولة، بمعزل عن الاتهامات المثارة ضد حاكمها. ووجد اللقاء الوزاري في القضاء الملاذ الآمن للتعامل مع الازمة بما ان بعدها قضائي بامتياز. فكان القرار بالالتزام بما يقرره القضاء، مع الالتزام بحماية المؤسسات العامة وعلى رأسها المصرف المركزي، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة. وكان إصرار من ميقاتي على التزام القانون لجهة عدم تعيين حاكم جديد وتسليم نائبه الصلاحيات عند انتهاء الولاية.
هكذا اشترت الحكومة الوقت وابعدت عن نفسها تجرع كأس القرارات الصعبة، حتى لو كان ذلك على المستوى السياسي. وهكذا، حمت سلامة حتى نهاية ولايته!
سابين عويس – النهار