كل الضجة حول عودة دمشق إلى “الحضن العربي” ليست واقعية

تحول الانفتاح العربي على النظام السوري من مشروع لاعادة الأخير الى مقعد سوريا في الجامعة العربية الى انفتاح ثنائي بين كل دولة عربية و النظام ، وتأجيل العودة الى الجامعة العربية لمرحلة مقبلة ، بعد ان تكون الدول العربية الرافضة عودة النظام بلا شروط ، وبلا ان تقدم شيئا على “طبق “المصالحة مع العرب لمست تغييرا في سلوكه و خياراته الداخلية والخارجية .فالازمة السورية لم تنته ، لا بل انها حاضرة اكثر من أي وقت مضى ، وكل المواقف التي تطلق من لبنان ،لاسيما من “حزب الله”الداعي على لسان مسؤولين منه لعودة العلاقات ” المميزة” بين لبنان و سوريا تستند الى الانفتاح العربي كمحفز للبنان، فيما الانفتاح العربي اقل تسرعا مما بدا للوهلة الأولى .فكما اسلفنا لم تنته الازمة في سوريا.

فالبلد مهما حكي عن انتصار النظام فيه بفضل ايران و روسيا لا يزال بلدا محتلا بإمتياز .تحتله قوى عسكرية من ايران مع ميليشياتها ، و روسيا ، وتركيا، اميركا . اما الأجواء فتحتلها بشكل شبه تام إسرائيل التي تسرح وتمرح في السماء السورية من أقصاها الى أقصاها. النازحون في الداخل لم يعودوا بعد بيوتهم، واللاجئون خارج الحدود وهم بالملايين لايزالون خارج بلدهم و لم يقدم النظام اي مشروع او تصور لحل الازمة اقله من جانبه . اما الحل السياسي المنصوص عنه اما في القرار ٢٢٥٤ للمرحلة الانتقالية ، او في مخرجات منصة أستانا وغيرها لا تزال حبرا على ورق.

الاعمار سيتأخر كثيرا ، لان الدول المانحة لن تدفع دولارا واحدا قبل الحل السياسي الشامل كما جاء في نص البيان الثنائي الذي صدر في جدة في اعقاب زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد . والمشاريع الكبرى التي يتحدثون عنها في لبنان، والفرص الاقتصادية و التجارية لا تزال ضربا من الخيال . ان سوريا النظام قبل الحل السياسي ليست دولة بالمعنى الحقيقي للدول ، وإلا فما معنى ان يشتمل كل بيان عربي متعلق بالانفتاح عليها ببند مكافحة المخدرات .و معروف من يدير شبكات تصنيع وتهريب المخدرات من سوريا الى العالم العربي عبر لبنان . اما الحديث عن الإرهاب في المقاربة العربية فسيف ذو حدّين ، لانه يعني بالنسبة الى اصحاب القرار إرهاب “داعش” و”القاعدة” وبعض التنظيمات المسلحة إضافة الى إرهاب الميليشيات المذهبية التي انشأها “فيلق القدس ” التابع ل”الحرس الثوري “الإيراني مستعينا بآلاف المسلحين الآتين من باكستان، أفغانستان والعراق.

من دون ان ننسى “حزب الله”من لبنان والميليشيا المذهبية المؤلفة من سوريين مؤدلجين. كل ما تقدم يشي بأن الانفتاح على دمشق ليس الانفتاح الذي يشبه ما كان قبل العام ٢٠١١. انه انفتاح مضبوط، وأهدافه محددة، ومتنوعة بحسب الدولة العربية المعنية .في هذا الاطار من المفضل للعديد من الدول العربية الاكتفاء بالعلاقات الثنائية ، من دون إعطاء براءة ذمة كاملة للرئيس بشار الأسد، وذلك بغياب أي خطوة من جانبه في الاتجاه المنصوص عنه في بياني جدة الأسبوع الماضي.

العرب ليسوا في عجلة من امرهم لاقامة علاقات “مميزة” مع دمشق . فالنظام هو رجل المنطقة المريض . ويتحكم به الإيرانيون الى حد بعيد .و كل خطوة في اتجاه الأسد هي خطوة مجانية تصب في صالح طهران . و لا موجب حتى في ظل تحسن العلاقات العربية مع طهران ان ترمى عليها جوائز مجانية في سوريا.

من هنا فإن الضجة التي يحدثها “حزب الله” الذي يمثل ايران في لبنان ، وجزئيا في سوريا داعيا اللبنانيين الى الارتماء في أحضان النظام السوري ، ليست في مكانها و لا زمانها. واستنتاجا يجب ان يستمر الموقف الرافض لمرشح “حزب الله” للرئاسة الى ان يقبل الأخير بتسوية متوازنة منطلقها سحب مرشحه من السباق. لان لا جديد تحت شمس لبنان.

 

علي حمادة – النهار