حادثة اطلاق صواريخ مجهولة معلومة المصدر البارحة من جنوب لبنان يجب ان تزيد اللبنانيين الرافضين إملاءات “الثنائي الشيعي ” الرئاسية تصميماً على مواجهة محاولة وضع اليد ستة أعوام إضافية على قصر بعبدا الرئاسي. فسلوك الحكومة والمسؤولين من أعلى الهرم إلى أدناه حيال الاعتداء الصارخ على سيادة لبنان، وسلطة الدولة، ومهمات الجيش اللبناني في منطقة عمليات خاضعة للقرار 1701، من خلال إطلاق أكثر من ثلاثين صاروخاً “محمياً ” بـ”جُبّة” محور ما يسمى “المقاومة” يكشف كم أن غياب الدولة فاضح، وتخاذل بعض المسؤولين فيها يعكس تواطؤاً واضحاً ضد منطق الدولة، ومع سيادة السلاح غير الشرعي الممسك بقرار الحرب والسلم.
فما يسمى “وحدة الساحات” التي تعمل إيران من خلالها على الهيمنة على أربع عواصم عربية من بغداد، إلى دمشق، فبيروت وصولاً إلى صنعاء تجلى في أبهى صوره يوم أمس حينما سمح “حزب الله” أو خطط تاركاً التنفيذ في عهدة مسلحين من فصائل فلسطينية تمكنت من التنقل بحرية تامة وإطلاق ثلاثين صاروخاً من أراضٍ زراعية مملوكة من مواطنين، إن دلّ على شيء فهو يدل على استحالة التوفيق بين مشروع إنقاذ لبنان من أزماته تحت مظلة منطق الدولة والقانون قبل أن تتغير طبيعة “حزب الله” المنافية للدولة ولمؤسساتها، والنقيضة لرغبات غالبية من اللبنانيين.
لقد احتاج رئيس الحكومة إلى ست ساعات ليصدر بياناً يرفض فيه أعمالاً عسكرية تنطلق من لبنان. شاءت “الصدف” أن يسبقه “حزب الله” متنصلاً من إطلاق الصواريخ تفادياً لتوسيع عملية الرد الإسرائيلية، ثم جرى تكليف الجيش اللبناني بأعمال فنية على مسرح جريمة نحر الدولة المتمادية. تجاهل رئيس الحكومة ومعه وزير الخارجية تنقل اسماعيل هنية في لبنان وقبله كثيرون أتوا تحت حماية “حزب الله”. وتناست وزارة الخارجية التي قدمت شكوى ضد إسرائيل إثر الغارة -المسرحية التي شنتها إسرائيل في أراضٍ خالية أن تضم إلى الشكوى أقله الفصائل التي انتهكت سيادة لبنان بلا وجل. والأخطر أن معظم المسوؤلين الرئيسيين في البلاد فضلوا دفن رؤوسهم في الرمال. إنها معضلة كبيرة تلك التي يتحول فيها المسؤولون الرسميون في الدولة إلى شركاء موضوعيين في جريمة تدمير فكرة الدولة في لبنان. ليتهم شاهدوا مقابلة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يوم أمس التي أدلى بها إلى “قناة الحدث” متحدثاً بصراحة تامة عن مساوئ السلاح غير الشرعي، فيما العراق يعاني الأمرّين من سلاح المليشيات “الولائية ” التابعة لـ”فيلق القدس” التي تقوض مشروع الدولة، وتغرق البلاد في انقسامات لا بد أن تتحول في يوم ما إلى صراعات دموية بين مكونات البلد.
من المهم بمكان أن يستفيد اللبنانيون الأحرار مما حصل البارحة لكي يبلوروا موقفاً موحداً لقطع الطريق على مرشح “حزب الله” للرئاسة والاتفاق على شخصية تليق بموقع الرئاسة. فلبنان بحاجة إلى رئيس متحرر من مشروع “حزب الله” وكفؤ، مثلما هو بحاجة إلى رئيس حكومة جديد، أهم صفاته ألاّ يكون جزءاً من تحالف يصب في نهاية المطاف عند “حزب الله”، فلا يدفن رأسه في الرمال في كل مرة يداس فيها منطق الدولة والمؤسسات والقانون.
علي حمادة – النهار