ماذا يعني الاتفاق السعودي-الإيراني بالنسبة إلى لبنان؟

ما من شك في أن الاتفاق السعودي -الإيراني برعاية صينية الذي كشف عنه ظهر يوم أمس يشكل خرقاً نادراً في مسار العلاقات بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين وذلك بعد عقود من الصراع الذي اتخذ أشكالاً عدة وامتد خارج إطار البلدين ليدور في ساحات عربية من اليمن، الى العراق، فسوريا ولبنان وغيرها. وكان السبب الرئيس خلف المواجهة التي دارت لأعوام طويلة سياسة إيران التوسعية التي سعت دائما في إطار أيديولوجية النظام للتمدّد الى خارج الحدود في محاولة للسيطرة على دول الإقليم العربي من بوابة إثارة العصبيات والنعرات المذهبية الضيقة، وتمويل ميليشيات مذهبية على امتداد الخريطة العربية لضرب الكيانات العربية ودولها الشرعية وتشتيت المجتمعات ودفعها الى الاقتتال والتناحر الداخلي. كل ذلك في سبيل التسلل الى المشرق العربي والهيمنة عليه. وتدل التجربة والنتائج التي يمكن تلمسها بسهولة أن كل بلد تمكن المشروع الإيراني من اختراقه، تشرذم ودخل في حالة من الحرب الأهلية المديدة، وانهار اقتصادياً بفعل نهب ثرواته واستخدام أجزاء أساسية منها لتمويل المشروع الإيراني في المنطقة. ومثلا لبنان والعراق بهذا المعنى صارخان.

لكن كي لا نغرق في تفاصيل “مآثر” إيران وميليشياتها، يهمّنا نحن في لبنان أن يكون الاتفاق المعلن عنه أمس في العاصمة الصينية فاتحة خير للبلدين ولا سيما للمملكة العربية السعودية. ويهمنا هنا أن نذكر أنه كلما خفّت حدّة التوترات الإقليمية أمكننا هنا في لبنان أن نضبط الساحة الحساسة جداً بفعل ربطها لأعوام بالصراعات والحروب من خلال ذراع إيران أي “حزب الله” الذي سبق أن مزق قبل أعوام “إعلان بعبدا” الذي تمكن الرئيس الأسبق ميشال سليمان من انتزاعه منه، يومها رفض “حزب الله” النأي بالنفس عن حروب المنطقة، مواصلاً مسار هيمنته على الساحة اللبنانية كجزء من مشروع له وجهه الإقليمي الصرف، لكنّ له أيضاً وجهاً لبنانياً خطيراً للغاية يقوم على مواصلة تدمير أسس الكيان، ومؤسساته، وهويته، ونمط العيش فيه، وتوازناته السياسية والديموغرافية والعقارية. هذا المشروع استمر ولم يضعف أبداً، لا بل إنه تعزز بعدما تمكن الحزب المشار إليه من اختراق بيئات لبنانية أخرى بواسطة سياسيين متواطئين أو مستغلاً الخوف من لغة الدم التي أتقنها الحزب نفسه ولا يزال. ومن هنا ترسخت سياسة استضعاف الآخرين في لبنان الى حدّ أنه صار للبنان مرشد يفتي للجميع بما يجوز وما لا يجوز! ولعل تجربة ترشيح شخصية سياسية لرئاسة الجمهورية من صلب محور “الممانعة” الذي يقوده “حزب الله” في لبنان تشي بأن القطار لم يتوقف وهو يكمل مساره لتحويل لبنان الى سجن كبير.

نحن إذن أمام تطور إقليمي مهم، ولنقل الأمور كما هي، صدق الإيرانيون. لقد علمتنا التجربة أن طهران لا تستجيب سوى لمنطق توازن القوة. ما من شيء يزحزح النظام الإيراني ولو قيد أنملة عن مسار مشروعه المعروف سوى تحوّل في موازين القوى في الإقليم أو خارجه. لكننا لا نريد أن نغامر برمي الاستنتاجات المتسرعة في الساعات الأولى بعد التوقيع على الاتفاق. إنه خطوة جيدة إذا صدق الإيرانيون أقله على المستوى الثنائي من العلاقات. أما بالنسبة الى بقية ملفات الإقليم الساخنة ومن بينها لبنان فالأمر يتطلب أن ننتظر قليلاً لتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فلننتظر قليلاً لأن دور لبنان لم يحن بعد.

 

علي حمادة – النهار