لماذا تدعم فرنسا سليمان فرنجيّة للرئاسة؟

ليس من جواب سياسي عن سبب تمسّك فرنسا بخيار سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية اللبنانية. وأشدّ ما يحرج الدول أن تتّخذ قراراتها في السياسة الخارجية بناء على منظور ضيّق، يرتبط بشخص أو بمشروع. فهذا يحيلها إلى شركة طامحة إلى الاستثمار، بدل أن تكون دولة تصنع سياسات وتحوّلات.

في مقابل غياب الجواب عن غاية باريس السياسية في ترئيس فرنجية على لبنان، يحضر جواب آخر: “المركنتيلية” (أو الزبائنية بلغتنا) التي تشير إلى أنّ فرنسا مرتبطة باستثمارات وحسابات تجارية في لبنان، وانطلاقاً منه تمتدّ إلى سوريا مستقبلاً، وتودّ إرضاء إيران طمعاً بالاستثمار في أسواقها.

النفط والفرنكوفونيّة والفشل

الجواب التجاري الأوضح يقضي البحث عن دور يقوم به رجال أعمال، بينهم رجل الأعمال المعروف جيلبير الشاغوري. فهو يعرض على الفرنسيين، ولا سيما شركة توتال، خدمات في لبنان وخارجه. وهذا مقابل تحقيق ابن مزيارة المقرّب من سليمان فرنجية أهدافاً سياسية. فالشاغوري اجتمع 3 مرّات بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المدّة الأخيرة. وفي إحداها زار ماكرون الشاغوري في منزله. وهو الصديق الحميم للرئيس النيجيري المنتخب حديثاً أحمد تينوبو. لذا يُعتبر مدخلاً فرنسياً لشركة توتال إلى نيجيريا من خلال الإتاحة لها تنفيذ مشاريع استثمارية هائلة. ويُحكى عن أنّ الشاغوري يبدي استعداده لتحمّل أعباء وتكاليف أنشطة شركة توتال في عملية التنقيب عن النفط والغاز في لبنان.
وفق منظور اقتصادي أوسع، تبدو الاستثمارات في لبنان ضعيفة نسبياً لدولة مثل فرنسا. لكنّ هناك بعداً أساسياً رمزياً لعلاقة فرنسا بلبنان:

– الحفاظ على وجودها في مرفأي بيروت وطرابلس صاحبَيْ الامتداد السوري.

– رغبتها في الحفاظ على لبنان الفرنكوفوني على الرغم من ضعفه في هذا المجال.

كلّ هذا يدفع باريس إلى السعي لتحقيق نجاح ولو بسيطاً وتفصيلياً في السياسة: القول إنّها حقّقت انتخاب رئيس جمهورية، هي طرحته وتبنّته ونسّقت مع الثنائي الشيعي حول توقيت ترشيحه، وتمسّكت به في تفاوضها مع السعودية. لكنّها مجدّداً اصطدمت بالجدار. وهذا ليس الاصطدام الأوّل من نوعه.

في السابق، انحدرت المبادرة الفرنسية من ورقة إصلاحية شاملة في السياسة والاقتصاد إلى الغرق في دوّامة “المداورة” في الوزارات والتخلّي عنها لصالح الضغط على سعد الحريري لإبقاء وزارة المال لدى الطائفة الشيعية، ثمّ جاء الضغط الفرنسي لأجل تمرير حكومة نجيب ميقاتي. فكانت النتائج كارثية ومخيّبة. مشكلة فرنسا – ماكرون تتمثّل في أنّها تصرّ على تكرار الخطأ أو الفشل.
تصلّب السعوديّة

لم يعد لدى باريس سوى خيار واحد: أن يلجأ الرئيس الفرنسي إلى الطلب مباشرة من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يرضيه بالانتخابات الرئاسية في لبنان والموافقة على سليمان فرنجية.

ترجّح مصادر متابعة أن يتقدّم ماكرون بهذا الطلب المباشر، على غرار محاولات كثيرة قام بها سابقاً:

– توفير دعم سعودي لسعد الحريري لتشكيل حكومته ولم يوفّق.

– بذل جهود مضنية لتوفير الدعم السعودي لحكومة حسان دياب، لكنّه لم ينجح.

– محاولة ماكرون الاستفادة من لقائه مع الأمير محمد بن سلمان لإجراء اتصال بين الأخير ونجيب ميقاتي. وفيما بعد سعى إلى أن تستقبله الرياض. لكن لم يخرج عن سياق اللقاءات ولم يؤدِّ إلى أيّ تغيير في الجوهر السياسي. والعارفون يؤكّدون أنّ ذاك الاستقبال كان سلبياً على ميقاتي أكثر من ذي قبل.

وسط كلّ هذه التفاصيل، يبرز سؤال أساسي عن حقيقة الموقف الأميركي:

– البعض يعتبر أنّ واشنطن غير مهتمّة بمن يأتي رئيساً.

– هناك من يشير إلى أنّ واشنطن تتوافق مع الرياض على مواصفات الرئيس على نحو كامل.

– فريق ثالث يعتبر أنّ واشنطن قد تجد طريقة للردّ على الاتفاق السعودي – الإيراني في ساحات مختلفة، ومن بينها لبنان. وهذا قد يكون بمنح الغطاء لفرنسا للمضيّ قدماً في خيار فرنجية وحزب الله. وفي هذا السياق ثمّة من يقول إنّ هذا المسار لن ينفع. فهو ما عملت عليه باريس وواشنطن مع حكومة حسان دياب بتوفيرهما له الغطاء الكامل والشامل في البداية. وهذا ما تكرّر في المبادرة الفرنسية لدى طرحها، فلم توافق عليها السعودية ووجّهت لها واشنطن ضربة قاصمة من خلال خطوة فرض العقوبات.

 

خالد البوّاب – أساس ميديا