تعويم الأسد… وليس تسليمه الملف اللبناني

بدأت أبواق المحور بالترويج لمواسم الترحيب والتهليل لعودة العرب إلى التعامل مع النظام الأسدي. وليس مستغرباً إقامة الأفراح والليالي الملاح للاحتفال بهذا الانتصار وإطلاق حملات الشماتة بأولئك الذين راهنوا على سقوطه. أكثر من ذلك، سارعت أبواق المحور إلى وضع مشاريع ترتكز على مفاعيل هذه العودة، للبناء على الشيء مقتضاه.

والمقتضى هو فرض رئيس جمهورية على قياس المحور ووفق مصالحه، أو الإيحاء بأنّ المسألة باتت تحصيلاً حاصلاً بعد هذه النقلة النوعية. فقد تجاهلت الأبواق كل ما يحصل على الأرض اللبنانية، تجاهلت فظاعة الأزمة المتفاقمة، وارتاحت الى وضعها. وهي تعتبر أنّ الأحداث والتطورات التي أسفرت عنها دبلوماسية الكوارث يجب أن تصب في مجرى استكمالها مصادرة السيادة. فالظروف ملائمة والوقت عمل لخدمة رؤيتها.

فهذه الرؤية التي ومنذ اللحظة الأولى للثورة في سوريا، لم تتغير ولم تزح قيد أنملة عن تأييد بشار الأسد ودعمه، ليس بالمواقف فقط، ولكن بالمقاتلين والبراميل المتفجرة والتهجير والتغيير الديموغرافي وتحويل المدن والأحياء إلى نسخ من الضاحية الجنوبية والمدن الإيرانية، وتهريب الدولارات والوقود والسلع المدعومة من خزينة الدولة ومن أموال المودعين اللبنانيين عبر الحدود الممسوكة من الحاكم بأمره، إلى النظام الأسدي، ولا تنتهي اللائحة.

ولكن ربما يجب التريث قليلاً، فما يجري لا يهدف إلى تسليم الأسد الملف اللبناني، كما كانت الحال، من خلال تعويمه، وتصويره كصاحب حق استرد حقه من خلال التعاطف العربي والدولي معه تحت عنوان المساعدات الإنسانية، حتى تاريخه، وإنما إلى ترسيخ أسس المحور وحماية العاملين تحت ادارته… وهو منهم.

وهو لن يتجاوز هذا الحجم، والسبب بسيط. فإيران لن تقف متفرجة على السيناريوات التي تتحدث عن إعادة الأسد إلى محيطه العربي. وقطعاً لن تتخلى جزئياً أو ظاهرياً عن التضحيات التي دفعتها لتعويم النظام الأسدي، مقابل كل المكاسب التي حققتها في المنطقة، وباتت تشكل أوراقاً تستخدمها في المفاوضات للضغط على المجتمع الدولي، هي لن تسمح بقطع الطريق على نفوذها الذي يفتح لها الباب على شاطئ المتوسط.

عادة لا تتهاون إيران حيال خطر أقل بكثير يتعلق بتقليص نفوذها في مناطق سيطرتها. ومعروف أن لديها وسائلها الحاسمة. فمن يجرؤ على مواجهتها يكتب نهايته بنفسه.

في الأساس، هل يجرؤ بشار الأسد على التعهد بعدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الإستراتيجية، اقتصادياً وعقارياً مع إيران، واتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية – الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، والكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي، لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم؟

أو هل يعتبر أن مسألة طرح الشروط وإلزامه بالتوقيع على اتفاق مكتوب، إذا صدقت التسريبات، بمثابة قارب نجاة، سبق له أن استغله، ومن ثم التف على الشروط؟ ولنا في معادلة «السين/سين» درسٌ يخطئ من ينساه. هل يملك القدرة على المناورة واللعب على حبال التجاذبات الإقليمية ليجمع بين الحضن العربي والمحور الإيراني؟

لا بوادر توحي بامتلاكه هذه القدرة، وتحديداً في ظلّ دولة منهارة ومتفككة ومنقسمة، ومع إطباق كامل وشامل من قبل إيران وأذرعها على مرافق المؤسسات الرسمية وتحكمها بها.

بالتالي، الترويج عن عودة مظفّرة للوصاية السورية إلى لبنان، هو كلام في الهواء، وهو استغلال لترسيخ مشاريع المحور في المنطقة، ولا لزوم له… ووظيفته محدودة ومحصورة، وبوجود الأصيل تنتهي وكالة الوكيل… فإذا حضر الماء بطل التيمّم.

 

سناء الجاك – نداء الوطن