الحلول الترقيعية بدل انتخاب رئيس

أوّل من أمس، طار الدولار الأميركي في أسواق بيروت الى مستويات فلكية، فيما انهارت الليرة اللبنانية الى ما دون الحضيض. وللمرة المئة أُعلِن عن تدخّل مصرف لبنان عبر منصة “صيرفة” لضبط سعر الدولار وكبح جماحه. وللمرة المئة أيضا كان الدولار قد تجاوز سقوفاً عالية سرعان ما عاد الى الاستقرار عندها بهدوء، وسط تقبّل الناس والشارع الذي هدأ الى حد بعيد. لن ندخل في لعبة الأرقام الجهنمية بدءا من سلوك مصرف لبنان، والمصارف، والمجزرة المستمرة بحق المودعين الذين وحدهم يدفعون ثمن الفساد والفاسدين الى ان يتم إطفاء ديون المصرف المركزي ومعه المصارف، ويفلت من المحاسبة كل مَن كانت له يد في سرقة العصر هذه. والطامة الكبرى هي ما يُسمى معالجات حكومة تصريف الاعمال المتواطئة من رأسها الى جميع أعضائها في هذه السياسة الترقيعية التي لم تمنع انهيار البلد، ولن تمنعه. والأخطر هذا التواطؤ الذي يشترك فيه كثيرون لا داعي لتسميتهم هنا لأنهم معروفون، وذلك من اجل السير تحت عباءة “حزب الله” لفرض رئيس للجمهورية منتمٍ ليس الى محور ما يسمى “ممانعة” فحسب، بل والى “محور الطاقم السياسي” الذي أوصل لبنان الى ما نحن عليه من سوء حال. وللتذكير شُكلت الحكومة الحالية التي تصرّف الاعمال وسعر صرف الدولار أقل من 30 ألف ليرة وها هو يلامس الـ150 ألفا. ويتحدثون عن معالجات، وعن سياسات حكومية، وعن خطة تعافٍ، الى ما هنالك من اوصاف لا تمتّ الى الواقع بِصلة. إننا امام مجموعة حاكمة مهمتها الوحيدة مواكبة نتائج سرقة العصر، والعمل على منع حصول أي محاسبة جدية لما اقترفته أيديهم.

ويكثر حديث الطاقم إياه عن معالجات، وتحسينٍ لشروط حياة المواطن اللبناني عبر عقد اجتماعات لمجلس الوزراء، أو عقد جلسات تشريعية لمجلس النواب، ومردّ هذا أنهم يعملون يداً بيد من أجل استغلال الوقت الضائع بفعل تعطيلهم انتخابات رئاسة الجمهورية طالما ان مرشحهم لم يتمكن بعد من تخطّي العقبات الداخلية والخارجية التي تعترض طريقه نحو بعبدا. فاجتماعات مجلس الوزراء لا لزوم لها، كما انه لا لزوم لجلسات مجلس النواب التشريعية وهي المنافية للدستور قبل ان يتم تحرير الاستحقاق الرئاسي الذي يخضع لابتزاز من “حزب الله” والمتواطئين معه في مجلسي النواب والوزراء، حيث يلعب كل منهم دوراً معداً له بعناية من اجل تعطيل الاستحقاق، الى ان يرضخ اللبنانيون لمشيئتهم ويصطفّوا خلف خيار “حزب الله” حامي حمى كل هذا الطاقم المتنوع الذي يضم حلفاء معلنين وآخرين غير معلنين. هذا هو واقع الحال المؤسف في لبنان.

إن تجاهل أهمية الاستحقاق الرئاسي بهذا الشكل، واحتجاز الاستحقاق كما يفعل المافيويون، يتطلبان وعياً من قِبل السياديين الإصلاحيين في البلد. ويتطلبان من المحور العربي ان يدرك ان لبنان واقع في أسر السلاح غير الشرعي والمتواطئين معه من الطاقم الحاكم إياه. هؤلاء يعطلون كل معالجة، وكل اصلاح، وكل محاسبة، وكل توجّه سيادي لأنهم يريدون ان يستمر الوضع على ما هو الى ان يسلّم اللبنانيون والخارج على حد سواء ببقائهم في أبراجهم العاجيّة الى أبد الآبدين

 

علي حمادة – النهار