يعتبر أهل السياسة ان اللبنانيين لا يتذكرون، أو أن ذاكرتهم مثقوبة، ويتناسون ان زمن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية قادر على استرجاع كل الاحداث والمواقف لحظة بلحظة، لتجعل الحقيقة ماثلة لمن أرادها. وهم يتحدثون متّكلين على انتماءات جمهورهم، بحيث لا يخرج من الجموع معارضٌ أو معترض.
ومثال على ذلك تصريح عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق الذي قال إن “الأزمة المعيشية تتفاقم والأزمات الإقتصادية والمالية والتربوية والقضائية متسارعة ومتفاقمة ووصلت إلى حد الإنهيار الشامل”. وأضاف: “يجب وضع حدّ لكل هذا، وأولوية حزب الله الكبرى هي المسارعة لإنقاذ البلد وتخفيف معاناة اللبنانيين”. وقال ايضا: “الفريق الآخر هو فريق التحدي والمواجهة، وأولويته المواجهة الداخلية وليس إنقاذ البلد، واتّهمونا بالتعطيل لكن حبل الكذب قصير، فانكشفت حقيقة المواقف والنوايا وأعلنوا التعطيل العلني”.
نبدأ من النقطة الاخيرة، وهي التعطيل، حبذا لو يجيب قاووق اللبنانيين عن تطيير النصاب في الجلسات الـ 11 التي عُقدت لانتخاب رئيس للبلاد، واعتبار الجلسة اولى كل مرة، لعدم السماح بانتخاب رئيس بالاكثرية المطلقة. ولو يخبر قاووق اللبنانيين كيف ان حزبه عطَّل الاستحقاق الرئاسي اكثر من سنتين منذ العام 2014 الى العام 2016، للاتيان بالعماد ميشال عون رئيسا للبلاد؟ وكيف انه عندما لمس عدم تحوّل ميزان القوى لمصلحته في العام 2008، لجأ الى اجتياح العاصمة في ما بات يُعرف بـ 7 أيار لفرض أمر واقع جديد؟ فكيف له ان يتهم الآخرين بالتعطيل؟
ثم يتحدث عن ان “أولوية حزب الله الكبرى هي المسارعة لإنقاذ البلد وتخفيف معاناة اللبنانيين”. وهنا ايضا تبرز الاسئلة الكثيرة: هل ان انقاذ البلد يكون بتفخيخ علاقات لبنان مع السعودية والامارات والكويت والبحرين؟ وهل يكون انقاذ البلد بالمشاركة في الحرب السورية وقتل معارضي النظام هناك؟ وهل انقاذ البلد يكون بتوتير العلاقة مع الدول الغربية وتهديدها في كل حين؟ وهل انقاذ البلد يكون بخوض الحروب وضرب القطاعات؟ وهل يكون بتعطيل كل تحقيق قضائي في تفجير المرفأ وغيره من الملفات؟ وهل يكون بتهديد القضاة داخل قصر العدل؟ وهل يكون بضرب مقومات لبنان الاقتصادية والمالية، وتشريع مؤسسات مالية مضاربة، وحماية مباشرة او غير مباشرة للمهربين عبر الحدود البرية والبحرية؟ وهل حماية البلد وانقاذه يتحققان بضرب النموذج اللبناني وخلق الفوضى تمهيدا لاقامة مشروع او مشاريع قديمة العهد تمّت التورية عليها الى حين؟
التكرار يمكن ان يُقنع الرأي العام الجاهل، لكن التكنولوجيا يمكن ان تكشف المستور وتستحضر كل الاحداث والتصريحات التي تدين كل واحد من فمه.
نايلة تويني – النهار