منطق الفرض يصنع بيئة أكثر تشدداً

لنكن منصفين. يمكن إدراج تعطيل كتل نيابية مسيحية جلسة اللجان النيابية المشتركة في سياق رد الفعل على تعطيل كتل أخرى يقودها “الثنائي الشيعي” انتخابات رئاسة الجمهورية. وقد أدى تصلّب “الثنائي” وبعض الكتل وبعض النواب من بيئات أخرى تدور في فلكه في ما يتعلق بفرض ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية الى تصلب مضاد من الثقل المسيحي الرئيسي في البرلمان. والحال انه لا يمكن تجاهل وزن الكتل التي خرجت يوم الثلثاء من قاعة مجلس النواب مما اسقط النصاب القانوني لانعقاد الجلسة. وهذه قوى أساسية لا يمكن القفز فوقها من خلال محاولة فرض مرشح يتبناه أساسا “الثنائي الشيعي” ومعه مَن يدورون في فلكه من كتل وشخصيات سنية او مسيحية. ان مسألة انتخاب رئيس للجمهورية تسمو على ما عداها من قضايا، لاسيما عندما يكون أساس تعطيل مجلس النواب، والحؤول دون عقد جلسات نظامية لإتمام العملية الانتخابية هو سياسة طرف لا يطرح على الطاولة سوى خيار واحد لا غير. وما دعوات رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد حوار حول الانتخابات الرئاسية سوى محاولات غير بريئة لفرض ما لا يمكن فرضه في القاعة العامة للمجلس والالتفاف على الموقف الرافض لمرشح “الثنائي الشيعي” وبالأخص “حزب الله”. وقد أدى سوء تصرف “الحزب” من خارج جدران المجلس، والرئيس بري من داخلها الى تكتيل القوى المسيحية الوازنة، وتقريبها بعضها من بعض بعدما توهّم الطرفان المذكوران ان في الإمكان فرض اسم بهذه الطريقة. ومعلوم ان دعوات رئيس مجلس النواب الى حوار حول الاستحقاق الرئاسي تهدف الى تشتيت جبهة الرافضين، وفي الوقت عينه منح المتواطئين من بيئات أخرى مثل المجموعة التي تقترع بورقة تحمل اسم “لبنان الجديد” هوامش للتفلت من مزاج قواعدهم الشعبية المناوئة لـ”حزب الله”. ومعلوم ان هذه المجموعة من النواب متواطئة مع “حزب الله” بواسطة رئيس المجلس الذي لم ينفكّ طوال احدى عشرة جلسة على التوالي عن تهريب نصاب الجلسة الثانية للانتخاب، وقد كان أعضاء كتلته النيابية اول من يغادر القاعة العامة لإسقاط النصاب القانوني وبالتالي تعطيل عملية الانتخاب. هذا الأسلوب هو أسلوب التعطيل الابتزازي نفسه الذي مورس بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود الممددة عام 2007، ثم مورس بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان عام 2014 على رغم الخلاف الذي نشب بين “حزب الله” والرئيس بري بالنسبة الى الترشيحات، ففي حين دعم “حزب الله” الرئيس السابق ميشال عون، دعم بري سليمان فرنجية، الى ان تمكن الطرف الأول من فرض عون. انما طوال تلك الفترة كانت أبواب مجلس النواب موصدة بوجه العملية الانتخابية، وساد منطق التعطيل الابتزازي الذي نختبره مجددا اليوم.

لقد انتفضت قوى رئيسية ممثلة في البرلمان وفي مقدمها “الثنائي الشيعي” في وجه ما سمّته ارتفاع منسوب الطائفية في المجلس، لكن كان حرياً بهذه القوى، وبالاخص “الثنائي” المذكور، ان تتذكر انه سبق لها ان اعتمدت مرارا منطق التطييف والمذهبة وصولا الى إدارة معارك خلال الانتخابات النيابية لم تخلُ أساسا من السلوك العنصري – الطائفي بوجه البيئات الأخرى وأيضا بوجه المعارضين من داخل البيئة عينها. ان منطق الفرض والإكراه مؤداه ان ترتفع جدران “القلاع الطائفية” الرافضة. من هنا دعوتنا الى “الثنائي الشيعي” ان يسارع الى الابتعاد عن هذا المنطق الهدّام.

 

علي حمادة – النهار