على باريس أن تغيّر مقاربتها للاستحقاق الرئاسي

لم يعد سراً ان باريس
تقارب ملف الاستحقاق الرئاسي من زاوية الإسراع في إتمامه، وفق تسوية أو مقايضة تقضي بانتخاب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية، وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى وربما سائر حكومات العهد اذا حصل اتفاق شامل. طبعا كان الاسم المفضّل في قصر الإليزيه لمدة طويلة هو نجيب ميقاتي، لكن كان من الصعب اقتراح ميقاتي لرئاسة الحكومة فيما هو اقل من حليف لكن اكثر من صديق لـ”الثنائي الشيعي”. والأخير يتحكم برئاسة مجلس النواب، وتالياً بسير العمل داخل البرلمان بشكل شبه تام. فأن تكون للثنائي المشار اليه الرئاسات الثلاث فهذا ما لا تستطيع باريس تسويقه في الظرف الراهن. إذاً فإن اختيار ميقاتي لتشكيل الحكومة المقبلة دونه عقبات، وقد صرح الأخير بانه لا يريد العودة الى رئاسة الحكومة مستبقا التعقيدات التي ستواجه اختياره من قِبل باريس. لكن مع ذلك فإن التسوية التي تروّج لها باريس غير منطقية لانها تترك لمحور “الثنائي الشيعي” موقع رئاسة الجمهورية من خلال شخصية سياسية كانت ولا تزال جزءا اصيلا من تركيبة الثنائي ومحور “الممانعة” الذي تقوده ايران في المنطقة، و”حزب الله” في لبنان، وبالتالي فإنه مرشح “حزب الله “وبلا قفزات. وعلى رغم ان باريس تعتبر ان المرشح سليمان فرنجيه منفتح، وسبق له ان حظيَ في ما مضى بتأييد غالبية نيابية قبل ان يتمسك “حزب الله” بالجنرال ميشال عون الى ان تم فرض تسوية 2016، فإن الحديث عن الانفتاح والرغبة في الحوار لا يعنيان شيئا في الوقت الحاضر، لان كِلا الانفتاح والحوار لا يخرجان عن سياق اللياقات الاجتماعية، او السياسة المحلية البلدية، أو حتى لعبة تقاسم الجبنة. في القضايا الحساسة يستحيل التعويل على وسطية مرشح “الثنائي الشيعي” واستقلاليته. وكل الضمانات التي يحكى انها ستُطرح على الطاولة لا تعني الكثير ما دام سقف رئاسة الجمهورية هو قرار “حزب الله”. هذه نقيصة كبيرة يجب ان يتنبه اليها الطرف الفرنسي الذي يقارب الأمور من زاوية منح ذراع ايران في لبنان كل الضمانات، ورمي فتات الضمانات لبقية مكونات البلد، وأولها المكون المسيحي الذي يكتشف بالملموس كيف يتم التعامل مع مصالحه وحصته في النظام بطريقة فوقية. وبالطبع لا ننسى بقية المكونات، وأولها المكون السنّي الذي يُراد ان يُحشر ممثله الأعلى في السلطة بين فكّي كماشة “حزب الله” في رئاسة الجمهورية وأيضا في رئاسة مجلس النواب. إنها تسوية سيئة يرفضها منطق التوازنات التاريخية في البلد. من هنا لا بد لقصر الإليزيه من ان يعيد قراءة الموقف، وألّا يكتفي بمحاولة اقناع الرياض لإمرار “الطُعم” بشتى الوسائل. ان باريس التي ترعى حكومة تصريف الأعمال الحالية بدءا من رئيسها وصولا الى وزراء يمثلون “حزب الله” مدعوة الى اعادة النظر بموقفها الراهن، وقراءة موقف الرأي العام لاسيما في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، فلا تكون جزءا من سياسة الفرض والاخضاع التي نعتقد انها لن تمر. وبداية الحل تكون بإقناع “حزب الله” وحركة “امل” بالتخلي عن عقلية الهيمنة أولا على رئاسة الجمهورية من خلال سحب ترشيح فرنجيه، وثانيا على رئاسة الحكومة من خلال عدم التنطح لتنصيب اصدقائهما في الموقع السني الأول في الجمهورية. إن الكرة الآن هي في ملعب باريس.

 

علي حمادة – النهار