الطرح الذي يكثر الحديث عنه في كواليس فريق “الممانعة” وخصوصا في محيط رئيس مجلس النواب نبيه بري، وللأسف تُطرب له آذان المسؤولين الفرنسيين عن ملف لبنان، يتحدث عن صيغة تسوية رئاسية يعتبرونها معقولة ومتوازنة، تقضي بتنصيب النائب السابق سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية في مقابل اختيار القاضي والسفير نوّاف سلام لترؤس أولى حكومات العهد وربما جميعها في ما بعد! يعتبر أصحاب هذه النظرية كما يروّج رئيس مجلس النواب في “صالونه” السياسي، ان فرنجيه هو رجل انفتاح وحوار، وانه في وقت واحد قريب من محور “الممانعة” ومنفتح الى أقصى الحدود على الافرقاء الآخرين والعالم العربي. وبلغ الترويج قبل أيام حدّ التساؤل العلني بما معناه: “إذا لم يكن سليمان فرنجيه رئيسا جامعا مَن ذا الذي يكون جامعا؟”.
الصيغة المشار اليها آنفا مغلوطة، إن لم تكن صيغة مفخخة، وهدفها توريط اللبنانيين واقناع العرب بقبول تسوية قد تكون شبيهة بتسوية 2016. والفخ هنا اكثر من واضح. سليمان فرنجيه ليس رئيسا جامعا، انه من الناحية الاستراتيجية جزء أصيل من محور ما يسمى “المقاومة” الذي يقوده “حزب الله” في لبنان، ومن الناحية التكتيكية رجل حوار وانفتاح متأخرَين، أي من بعد العام 2015. وفي القضايا الجوهرية ان فرنجيه وقبل ان يكون رئيسا هو صقر من صقور الفريق الذي يعمل تحت مظلة “حزب الله”. هذا ليس عيبا، لكن هذه حقيقة تستدرج رفضاً لاعتباره جامعاً بالمعنى العميق لانه غير مستقل، فضلاً عن انه لا يُعتبر لا إصلاحياً، ولا رؤيوياً في ما يتعلق بمتطلبات حل الأزمة الاقتصادية المالية والاجتماعية الكارثية.
وثمة مستوى آخر للفخ الذي يُنصب، وهو ان الرئيس ثابت وبيده التوقيع على تشكيل الحكومات، وقادر على التعطيل ساعة تتغير الحسابات. رئيس الحكومة هنا معرّض لتلقّي الضربات من كل حدب وصوب. وكل ما يُحكى عن ضمانات يمكن ان تُعطى لا تساوي في نظرنا الضمانات التي أعطيت لسعد الحريري في حكومة “الوحدة الوطنية” التي شُكلت تحت قبّة تسوية الـ”سين – سين” بعد انتخابات 2009، وأُسقِطت بربع ساعة في منزل ميشال عون بتواطؤ واسع لا داعي للتذكير بتفاصيله. ثم أُخرِج الحريري من البلاد خمسة أعوام بسبب التهديدات الأمنية التي طاولته شخصيا. هذا السيناريو يمكن ان يتكرر مع سلام (وزنه السياسي لا يضاهي وزن الحريري) في أي وقت تهتز فيه التفاهمات الإقليمية التي يعوَّل عليها اليوم. اكثر من ذلك، ان التوازن في السلطة يتطلب ان يكون رئيس الحكومة سيادياً وإصلاحياً، عربيَّ التوجه وعلاقاته الدولية واسعة كما مكانته المعنوية كصاحب كفاءة وعلم ونزاهة في آن واحد، يقابله خيار “الثنائي الشيعي” الذي يفرض رئيسا لمجلس النواب لا يهم مَن يكون في ظل التعليب المذهبي للبيئة الحاضنة. أما رئيس الجمهورية فأقله ان يكون مستقلا عن “حزب الله” وفريقه ومحوره، حتى نتمكن من القول إن في لبنان على صعيد الدولة شيئاً من التوازن. هذا الامر يستحيل ان يؤمّنه تنصيب فرنجيه رغماً عن أنف بيئته المسيحية، ومعها غالبية الرأي العام اللبناني من خارح البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”. استنتاجاً نقول: نعم لنوّاف من دون سليمان، ولنذهب الى اختيار رئيس يكون شخصية مستقلة بمواصفات رفيعة.
علي حمادة – النهار