إنهم يقتلون الوقت

لم يبد شعب انصياعا لقدره كما حال اللبناني. تمر به الأزمات تتالياً، فلا هو يعترض إلّا بالتأفف، ولا هي تكف عن التناسل، وتكفيه دقائق كي يتحضر لكمين من كمائنها، بعدما “تمسح” وصارت “رياضته” اليومية السؤال عن أحوال الدولار، وكم قفز، مقابل مأساة الليرة التي كلما تهاوت زاد استسلاما لما يراه قدراً لا راد لهنما ينم عن اتكال يائس على القدرية في الحياة.

اليوم، يفاجئهم الدولار بشموخه على الليرة، ولا يكادون يسمعون بسعر له، حتى يبكون عليه، حتى يقحموا في قعر مستجد، وهم في سبات، يستيقظون على هبّات الدولار، ويستنجدون بالغيب، فيما يقبعون في المرتبة الـ 16 بين الدول العربية في سلّم سعادة الشعوب.

ليس ضرورياً الإستدلال إلى ذلك بالإحصاءات. يكفي الكآبة على الوجوه التي تصافحها الأعين في الشارع، ، فيما مشاهد الباحثين في مستوعبات النفايات تقول إن دخل اللبناني بات من “أتفه” المداخيل في العالم، على تنافس في الحضيض بين الدول الأفقر، بفضل سوء الإدارة العمومية، واستبداد الطغمة السياسية المالية.

الأمر العجب، أن الأزمة مستمرة منذ اكثر من 3 سنوات، وأن أحداً من الطبقة الفاسدة الطاغية لم يُظهر قبساً من ذكاء يؤشر إلى مخرج من تيار الازمات المتناسلة، والعكس هو الواقع، إذ “تُخترع” أزمات لإشغال الناس عن جوعها بما لا مبرر له، وتفتعل “مطبات وطنية” كعدم تطبيق التوقيت الصيفي، بـ”فتوى” من رئيس مجلس النواب، و”مباركة” رئيس مجلس الوزراء، بعدما كان التلاعب بجلسات انتخاب رئيس للجمهورية سيد الإلهاء الوطني، ومعه إيقاع مرشح تحدٍ، ثم مرشح توافق، وما هو حلال لجهة، حرام على جهة أخرى، لتجديد الفراغ، وتمديده، انتظارا لكلمة سر من علياء دول إقليمية، وغير إقليمية، يكذب الجميع في ادعاء عدم انتظارها.

في الإنتظار، يبقى الفساد سيد الحال. الكل يحمل عليه، حتى يكاد اللبناني يتوهم أن الجميع طاهر من دنسه، وأنه هو الفاسد، دون غيره من خلق الله، وهو من لا يصغي لمطالبة المجتمع الدولي، من صندوق النقد إلى الأمم المتحدة، والدول الصديقة.

“تمْسح” اللبناني يأساً، وقنوطاً، “وتمْسح” أهل الطغمة في الفساد، وبات البلد عنوان “عيش مشترك” جديد بين أغنياء ميسورين بالفساد، وفقراء مستورين بالجوع السري.

تحتاج الأزمات الكبرى إلى وقود تديمها، و تزجي الفراغ المستحكم، بنار الطائفية وتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، جرى وإشكالية انعقاد جلسات مجلس الوزراء، لحكومة مستقيلة، ومن وقف خلف الإفتعال هو من غذّى التعطيل. وأمس حلت على البلاد إشكالية التوقيت الصيفي، التي لم ينظر أحد في ضررها، أو حسناتها، بل تنافس الجميع على النفخ في إوارها، كأن مصير الدين، لدى الجهتين، يتوقف على ساعة أقل أو أكثر، ولذا تناسى الجميع أن التوقيت يرتبط بالغروب والشروق.

هي أزمة مفتعلة لغاية في نفس الفاعل، وسوء النيّة لا يماهى، فمنذ متى تسترق كاميرا تلفزيون بعينه تسجيلاً لصاحب موقع سياسي من دون رضاه؟

هو فن تزجية الوقت، أي تقطيعه، وقتله! وإلهاء الناس بما لا يجدي.

للذكرى. عام 1972 كانت تظاهرات الجوع تلف البلاد، وفجأة شجر خلاف بين رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ورئيس الوزراء صائب سلام حول العطلة الأسبوعية، أتكون الجمعة والسبت، أم السبت والأحد؟

النتيجة: نسيت الناس جوعها، وغرقت في جدل عقيم، إنتشر عبق الحروب تحت ظلاله.

راشد فايد – النهار