باسيل يبحث عن دور لدى “باحث عن دور”

ليس ما يدلّ على سقوط السياسة في لبنان أكثر من وصول مرشّح “حزب الله” ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهوريّة. تعبّر المحاضرة الأخيرة لجبران باسيل التي تطرّق فيها إلى الفساد عن هذا السقوط اللبناني، بل هي تتمّة ليوم 31 تشرين الأوّل 2016 عندما تبيّن أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران باتت من يقرّر من هو المارونيّ المؤهّل، إيرانيّاً، لأن يكون رئيساً لجمهورية لم يبقَ منها غير الاسم.

في محاضرته الأخيرة التي توجّه فيها إلى اللبنانيين، غاب الحياء عن كلام صهر رئيس الجمهورية السابق الذي يدين بموقعه النيابي لقانون وضعه “حزب الله”. يغيب الحياء عندما يتحدّث شخص مثل جبران باسيل عن فساد المنظومة السياسية. نسي الرجل أمرين، أوّلهما أنّه جزء لا يتجزّأ من المنظومة، والدليل على ذلك أنّه كان وزيراً منذ ما يزيد على عشر سنوات (منذ 2011 تحديداً)، والأمر الآخر أنّه واقع تحت عقوبات أميركيّة بموجب قانون ماغنتسكي المرتبط بالفساد ولا شيء آخر غير الفساد.

لماذا لا يجرؤ جبران باسيل على الذهاب إلى القضاء الأميركي بغية تحدّي العقوبات المفروضة عليه وإظهار براءته؟ هل يخشى من أن يضطرّ الجانب الأميركي، في مثل هذه الحال، إلى إيراد الأسباب التي برّرت العقوبات المفروضة عليه… وبالتفاصيل المملّة والموثّقة للأسباب والدوافع؟
العقوبات والفساد المُثبت

الأكيد أنّ جبران باسيل يعتقد أنّ في استطاعة السلطات القطريّة مساعدته في التخلّص من العقوبات الأميركيّة يوماً. إنّه سياسي لبناني وعربي آخر لا يعرف شيئاً عن أنّ دخول سراديب العقوبات الأميركيّة ليس مثل الخروج منها، وأنّ الإدارة الأميركيّة، أيّ إدارة أميركيّة، لا تفرض عقوبات على أيّ شخص من دون أن يكون لديها ما تستند إليه في ذلك. هل صدفة أنّ لبنان من دون كهرباء منذ تسلّم جبران باسيل ملفّ الكهرباء في عام 2008؟

هل صدفة أن يكون جبران باسيل، عندما كان وزيراً للخارجية اللبنانية، صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربيّة؟

هل صدفة أن يكون جبران باسيل نتاج صيغة “السلاح يحمي الفساد” التي طبّقها “حزب الله” شيعيّاً بنجاح منقطع النظير قبل أن ينتقل إلى تطبيقها مسيحياً بإيصاله ميشال عون وصهره إلى موقع رئيس الجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل من عام 2016؟

لم يحصل ذلك إلّا بعد خضوع الثنائي لسلسلة اختبارات استمرّت عشر سنوات منذ توقيع وثيقة مار مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون في السادس من شباط 2006. نجح الثنائي عون – باسيل في كلّ الاختبارات الخطّيّة والشفهيّة التي مرّ فيها. كوفئ الثنائي بموقع رئيس الجمهوريّة في مرحلة معيّنة كان فيها الحزب في حاجة إليه، في حين أنّ حاجاته في المرحلة الراهنة باتت مختلفة في منطقة تغيّرت كلّيّاً وفي مرحلة صار فيها مصير النظام في إيران مطروحاً.
رئيس لجمهورية سابقة

دخلت المنطقة مرحلة جديدة، ولا يزال جبران باسيل يفكّر في أن يكون رئيساً لجمهوريّة فقدت كلّ مقوّمات وجودها. إنّه رجل يبحث عن دور لا وجود له. ينطلق من أنّ الخدمات التي قدّمها مع عمّه للحزب، ومن خلفه إيران، لا تُقدّر بثمن. إنّه رجل يبحث عن دور لدى طرف يبحث بنفسه عن دور. الطرف المعنيّ ليس الحزب بحدّ ذاته. الحزب ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانيّة وينفّذ المطلوب منه إيرانيّاً. الطرف المعنيّ هو “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي بعثت بوزير خارجيّتها حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان للتأكّد من أنّه لا يزال تحت السيطرة، ثمّ ذهب إلى دمشق لتأنيب بشّار الأسد وتذكيره بأنّه تحت رحمة المساعدات الإيرانيّة. ذهب عبد اللهيان بعد ذلك إلى أنقرة ليقول إنّه لا تقارب بين النظام السوري وتركيا رجب طيّب إردوغان في غياب الدور الإيراني. فوق ذلك كلّه، يبدو الوضع العراقي محيّراً في ضوء التوازنات الجديدة التي يسعى رئيس الحكومة محمّد شيّاع السوداني إلى إيجادها في ظلّ ضغوط أميركيّة تركّز على منع تهريب الدولار إلى إيران.

سعى جبران باسيل إلى ابتزاز “حزب الله” في بلد تغيّر كلّيّاً ومنطقة تمرّ كلّها في حال مخاض. ليس لدى النظام الإيراني ما يردّ به على ثورة المجتمع بقيادة المرأة ولا على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصاً ضربة أصفهان، التي تأتي في سياق تنسيق أميركي – إسرائيلي.

الحزب ينتظر “الثمار”

ليس ما يدلّ على مدى إفلاس سياسيٍّ لبنانيٍّ يبحث عن دور أكثر من ادّعاء دور في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. مثل هذا الترسيم، الذي يشكّل تطوّراً في غاية الأهمّيّة في التاريخ اللبناني الحديث، لم يكن ممكناً في غياب ضوء أخضر إيراني. كان الضوء الأخضر الإيراني بمنزلة رسالة إلى واشنطن تزامنت مع تشكيل حكومة عراقيّة جديدة ترضى عنها طهران.

لا يزال “حزب الله” ينتظر ثمار اتفاق ترسيم الحدود البحريّة. يبدو أنّ عليه الانتظار طويلاً في ضوء انتقال المواجهة الإسرائيلية مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى مرحلة جديدة من التصعيد وفي وقت أصبح مطروحاً مستقبل الجنوب السوري حيث تنشط إيران وميليشياتها في غياب روسيا الغارقة في الوحول الأوكرانيّة. لو لم يكن الأمر كذلك، لَما ذهب بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى عمّان للقاء الملك عبدالله الثاني بعد قطيعة استمرّت أربع سنوات.

يبحث جبران باسيل عن دور لدى طرف إيراني يبحث بدوره عن دور في عالم غيّرته الحرب الأوكرانيّة تغييراً كاملاً!

 

 

إخيرالله خيرالله – أساس ميديا