غادة عون تجوّع 5 ملايين لبناني؟

تهدّد التحقيقات التي تجريها القاضية غادة عون مع عدد من المصارف بجرم “تبييض الأموال”، مصير 5 ملايين لبناني وتحرمهم من المأكل والمشرب والوقود والأدوية والتحويلات المقبلة من الخارج؟ سؤال قد تبدو الإجابة عليه محطّ التباس وشكوك.

هل تدرك القاضية عون مدى خطورة ما تفعله؟ هل تظنّ أنّها تقدّم خدمة للّبنانيين من خلال تقفّي أثر الودائع وملاحقة خارطة الهندسات المالية بين مصرف لبنان والمصارف، فلا تعرف أنّها ربّما اقترفت بذلك خطأين:

– الأوّل أنّها “كبّرت الحجر” باتّهام المصارف في علاقتها مع مصرف لبنان بـ”تبييض الأموال” بموجب القانون 44/2015، وهذا أمر خطير، علاوة على أنّه غير منطقي.

– الثاني أنّها بدأت تهدّد علاقة القطاع المصرفي كلّه، وليس المصارف التي تتّهمها، مع “المصارف المراسلة”، وهنا مكمن الخطورة على ما بقي من الاقتصاد اللبناني.

تفيد المعلومات المصرفية بأنّ ما بقي من المصارف المراسلة (Correspondent Banks) من تلك التي ما زالت تتعامل مع المصارف المحلية، هي بحدود 3 أو 4 مصارف فقط، وهي بمجملها أميركية.

كان عدد هذه المصارف بالعشرات، لكنّها تراجعت تباعاً منذ الأزمة الاقتصادية، ثمّ بعد إعلان تعثّر الدولة في سدّ ديونها من سندات “اليوروبوند”، باتت لا تتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة، مع العلم أنّ فواتير 86% من السلع التي نستوردها تمرّ عبرها، وحينما نقول فواتير الاستيراد نعني:

– المحروقات على أنواعها.

– الأدوية والمستلزمات الطبّية بجميع أنواعها وأصنافها.

– الموادّ الغذائية والاستهلاكية والإلكترونيات على أنواعها.

– التحويلات المقبلة من الخارج التي يتلقّاها اللبنانيون بالدولار “الفريش” عبر المصارف.

كشف مرجع مصرفي لـ”أساس” أنّ المصرف المراسل، الذي يتعامل معه مصرفه، وجّه أسئلة واستفسارات حول حقيقة تلك التحقيقات التي تقوم بها عون (لم يُعرف إن كانت أسئلة رسمية أو في إطار الاستفسار الشفوي)، فأُصيبت إدارة المصرف اللبناني بالحيرة بحثاً عن الإجابات المناسبة، وذلك بسبب صعوبة شرح الواقع اللبناني وما يشوبه من تدخّلات سياسية في القضاء… فهل يُعقل مثلاً أن يتورّط مصرف لبنان مع المصارف المحلية بتبييض الأموال بحسبما تدّعي عون؟ أي بتهم من صنف تهريب المخدّرات أو الأسلحة أو تمويل الإرهاب؟

أضاف المصدر أنّ المصارف المراسلة تتوجّس غالباً من تهمة “تبييض الأموال” التي تُعتبر “تُهمة كبيرة جداً”، وفي حال ثبتت صحّة الادّعاءات حولها، فقد تتسبّب للمصارف المراسلة بعقوبات تصل إلى مئات ملايين الدولارات.

كشف المصدر في هذا الصدد أنّ لبنان بلد صغير، وإذا قاربت المصارف المراسلة بين “احتماليات الضرر” الناتج عن التعامل مع المصارف اللبنانية، وبين حجم الاستفادة من مصارف لبنان، “فربّما ستفضّل قطع علاقتها بنا… وهنا الكارثة”.

وأضاف: “ربّما تعيد حساباتها بالعلاقة مع المصارف اللبنانية نتيجة دعاوى غادة عون، خصوصاً أنّ تلك الدعاوى لاقت آذاناً صاغية لدى دوائر القرار الغربية”. فحتى اللحظة تعتبر الإدارة الأميركية ودول أوروبا أنّ هذه الدعاوى “مسيّسة وتدخل في إطار المماحكات”، لكن “لا شيء يمنع أن تؤخذ على محمل الجدّ في لحظة سياسية معيّنة”.
في نظر أوساط مصرفية شديدة الاطلاع على هذا الملف، فإنّ عون “ليست صاحبة اختصاص”، وبالتالي فإنّ ممارساتها ربّما ستؤثّر على سمعة كلّ القطاع المصرفي المتداعية أصلاً، فيؤخذ “الصالح بعزا الطالح” على حين غرّة ومن دون أيّ تمييز، لأنّ قطع علاقة المصارف المراسلة بلبنان سينسحب على جميع المصارف في القطاع حتى لو لم تكن مستهدفة بدعاوى عون، وعندها قد يقع المحظور.

وعليه، فإنّ الخطورة تكمن في أن تلتقط جهات خارجية تلك الفرصة من خلال “تخبيصات” عون التي قرّرت أن “تغرف بما لا تعرف”، محاولةً أن “تكبّر الحجر” فوق رؤوس المصارف ومصرف لبنان، خصوصاً أنّها ذهبت بعيداً في استنادها إلى القانون 44/2015 الذي يتحدّث بالتفصيل عن تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

هذا الرأي يقابله رأي آخر أقلّ تشاؤماً، إذ قال خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في اتصال مع “أساس”: “أشكّ أن تكون المصارف المراسلة قد تحرّكت بالفعل”. فهي لم تتحرّك من قبل على الرغم من كلّ الإجراءات التي اتّخذتها القاضية غادة عون. هذه المصارف تضع حراك عون “في إطار التجاذبات السياسية وتصفية الحسابات، لكن يبدو أنّ جمعية المصارف تفضّل بدورها تكبير الحجر أيضاً، من أجل ممارسة المزيد من الضغط على السلطتين السياسية والقضائية لدفعهما نحو كفّ يد غادة عون عن الملف، وخصوصاً بعد قرار لبنان والمهجر التغريد خارج سرب المصارف المتمسّكة بسرّيتها المصرفية وبوحدة صفّها”.

أضاف أنّ المصارف المراسلة لا تأخذ الأمور على محمل الجدّ، مثلما تحاول المصارف أن توحي، إلّا “حينما تتحرّك هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان. وحتى اللحظة لم تتحرّك الهيئة”.

وعن الطريقة اللوجستية التي تتحرّك بها المصارف المراسلة في حالات كهذه شرح فحيلي أنّها عادة “توجّه رسائل مكتوبة (Emails) للمصارف المحلية، وتلزمها بالردّ ضمن مهل محدّدة. هذه الأسئلة تصل نسخة منها إلى هيئة التحقيق الخاصة… فهل وصل للهيئة شيء من هذا القبيل؟”.

الإجابة عن هذا السؤال صعبة بعض الشيء، خصوصاً أنّ الهيئة مقطوعة عن السمع منذ بداية الأزمة ولا يمكن التواصل مع أحد من أعضائها.

أضف إلى هذا أنّ سمعة المصرف المركزي وحاكمه على المحكّ اليوم نتيجة التحقيقات الداخلية والخارجية. وهذا ما يجعل الحديث عن كلّ تلك الإجراءات اللوجستية By the book في مهبّ الريح.

بدوره كشف مصدر قريب من مصرف لبنان لـ”أساس” أنّ الملفات القضائية الداخلية كلّها “لا وزن لها في الخارج، إلّا إذا…”. هذه الـ”إلّا” بدورها تعود إلى القرار السياسي الخارجي، الذي يمكن أن يجد في تحقيقات عون ضالّته فيضغط من خلال مصارفه المراسلة. وهذا يعني أنّ عون “تلعب بالنار” وتزكّي هذا السيناريو بطريقة أو بأخرى، خصوصاً إذا ربطنا كلّ ذلك بالكباش السياسي والضغوط على المصارف والفراغ الرئاسي والإلحاح على تنفيذ الإصلاحات. عندها تكون القاضية عون قد أدخلتنا في “عنق الزجاجة”، وأوصلتنا عن حقّ، إلى ما وصلت إليه إيران وسوريا والسودان، أي إلى جهنّم.

 

عماد الشدياق – أساس ميديا