متى يقتنع “الحزب” بأنّ أيّ مرشّح له استفزازي

بالرغم من عودة شيء من الحركة الى ملفّ الاستحقاق الرئاسي عبر بعض الاتصالات التي تحصل محلياً بين الأفرقاء، ثمة واقع لا يمكن تجاهله، ألا وهو أن الداخل غير قادر على إيجاد مخارج معقولة وقابلة للتنفيذ في ما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية المقبل. فالشغور ليس وليد الخلافات بمعناها التقليدي، لا بل إنه وليد القرار غير المنطقي الذي اتخذه “حزب الله ” بمحاولة فرض مرشح من “الخط” الذي يقوده من دون إقامة أي اعتبار لبقية الفرقاء اللبنانيين ورأيهم بما إن كان من المعقول أن يقبلوا باستمرار هيمنة الحزب المذكور على الرئاسة الأولى في لبنان. الأدهى أن “حزب الله” الذي يتسبب موقفه بالشغور الرئاسي الحالي يعيش على وهم مفاده أن اللبنانيين سوف يقتنعون بأن مرشحه هو مرشح “تسوية”، ومرشح “حوار” الى ما هنالك من أوصاف تسويقية تُسبغ على شخص المرشح المفضّل. ولكن عملياً، مجرد أن يكون مرشحاً لهذا الحزب فهو حكماً “استفزازي”.

صحيح أن أحد جوانب الشغور هو هذا الواقع الأليم الذي يعصف بالمكوّن الماروني على المستوى السياسي حيث تغلب فيه الخلافات وقصر النظر والتفكير المنطقي بما يفيد الطائفة من ناحية، ومن ناحية ثانية ما يفيد لبنان ولا سيما إذا ما جاء الخيار الرئاسي جيداً. لا بد هنا من الإشارة الى الدور السلبي الكبير الذي يلعبه الرئيس السابق ميشال عون وبطانته العائلية التي لا تشبع، وهي مسكونة بحبّها المرضي لتكديس المكاسب الشخصية الصغيرة فيما تتسبب بخسارات هائلة للبلد بأسره. لكن أساس الأزمة الرئاسية والشغور الذي دخل شهره الرابع هو مشروع “حزب الله” الساعي الى الهيمنة الكاملة على مفاصل السلطة، والقرار الوطني والسيادي، وبالطبع هذا التواطؤ الكبير من قوى سياسية متنوّعة مع “حزب الله” إما فوق الطاولة أو تحتها. ومع ذلك فإن مسعى الحزب المشار إليه لإقناع الرأي العام داخلياً أو عواصم القرار المعنية بالاستحقاق الرئاسي بأن مرشحه ليس مرشّحاً استفزازياً، بل هو مرشح تسووي ووسطي وحواري ولكل اللبنانيين يصعب جداً أن يمرّ لأن الاختبار الأهم الذي لا يمكن تجاوزه هو تحديد موقف مرشح “حزب الله” الوسطي والتسووي من قضايا رئيسية مثل هيمنته على السلطة والدولة بمؤسساتها كافة والأهم السلاح غير الشرعي.

نحن لا نقول إن رئيساً وسطياً وتسووياً سيكون قادراً على قيادة معركة تحرير لبنان من هيمنة “حزب لله” أقله لتحقيق شيء من التوازن، لكننا نقول إن من المهم بمكان إخراج ذراع إيران الأهم في المنطقة من قصر الرئاسة في بعبدا، ثم تحرير رئاسة الحكومة من ضغط “حزب الله” إما من خلال دفع الرئيس ميقاتي إذا بقي الى التخفيف كثيراً من مستوى التواطؤ مع “حزب الله” في كل شاردة وواردة، أو أن يؤتى برئيس حكومة جديد متحرّر من الحزب المشار إليه من دون أن يكون معادياً له تجنّباً لانزلاق أمني أهلي لا يريده أحد. لكن أهم مواصفات الرئيس المقبل يجب أن تكون تحرّره من قبضة “حزب الله” مع الأخذ في الاعتبار أنه يمثّل بشكل أو بآخر مكوّناً لبنانياً ليس مطلوباً تجاوزه. وإنما مطلوب أن يعود “حزب الله” في العهد الجديد الى داخل مكوّنه وبيئته، بعد أن يتم إخراجه من البيئات الأخرى أولاً عبر تحرير قصر بعبدا من قبضته، ثم فكفكة “مونته” الزائدة على السرايا الكبيرة كما هي الحال اليوم. على اللبنانيين السياديين الاستقلاليين أن ينزعوا من نفوسهم هذا الخوف الدائم من استخدام سلاح الموقف. إنه أقوى ممّا يتصوّرون.

 

علي حمادة – النهار