لم يحظ بما يجب من الاهتمام، لقاء الرئيس سعد الحريري ووفد “القوات اللبنانية” النيابي خلال وجود رئيس الحكومة الأسبق في بيروت الأسبوع الماضي لإحياء الذكرى الـ18 لاستشهاد رفيق الحريري. بل على العكس، كان هناك ولا يزال من يتحدث عن سوء العلاقات بين الجانبين، كما كانت الحال في الماضي. والسؤال: أين أصبحت هذه العلاقات بعد اللقاء الأخير بين الجانبين؟
حملت “النهار” هذا السؤال الى رئيس وفد كتلة “القوات” النيابية النائب جورج عدوان والذي ضم نصف أعضاء الكتلة وهم: ملحم رياشي، فادي كرم، غادة أيوب، زياد حواط، أنطوان حبشي وغسان حاصباني، والوزيرين السابقين جو سركيس وريشار كيومجيان. قال عدوان: “إن من يتعجب لحصول هذا اللقاء، فالعجب لعدم حصوله. ففي ذكرى 14 شباط، جرى اغتيال من وحّد اللبنانيين حول مشروع الدولة. وبالتالي، وأمام القضايا الوطنية لا بد أن تتوحّد المواقف. من هنا، كان اللقاء مع الرئيس الحريري بمثابة جلسة بين أصدقاء، ومن دون قفازات”. وكشف عدوان أنه “لولا الاعتبارات الأمنية” لحضر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى بيت الوسط. ولفت الى تبادل الرؤى بين الحريري و”القوات” في مقاربة التطوّرات في مواجهة “حزب الله” الذي ضرب مشروع الدولة. ووصف اللقاء بين الجانبين بأنه كان “إيجابياً جداً”.
مصادر واسعة الاطلاع في “القوات اللبنانية” شرحت بدورها آفاق اللقاء في بيت الوسط، فقالت إن البحث بين الحريري ووفد “القوات” ركز على كيفية تحسين شروط المواجهة لـ”مشروع الممانعة” الذي يقوده “حزب الله” ضد مشروع الدولة وإطلاقه النار المستمر على السعودية، والمزايدات التي يقودها “مطبخ داخلي” للتصويب المستمر على العلاقات بين الحريري وجعجع. وجرى في اللقاء عرض المرحلة التي تلت إعلان الحريري تعليقه العمل السياسي عشيّة الانتخابات النيابية، وما تلاها من جهود لتعزيز وحدة القوى التي تنضوي في إطار مشروع الدولة والتي دعمت ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية، ورفضت الانقلاب على القضاء والعمل على تحويل أولوية عمل البرلمان ألا وهي في الوقت الراهن انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وخلال المناقشة، ركّز الحريري من ناحيته على مشروع “الصمود الاجتماعي” في ظل ما يشهده لبنان من انحدار غير مسبوق في أحوال اللبنانيين المعيشية. والتقى الجانبان في النظرة الى أن استشهاد رفيق الحريري قد حصل لأن رفيق الحريري كان يريد أن يعود القرار الى لبنان من دمشق، الأمر الذي كان ممنوعاً.
أين السعودية من هذا التطوّر في علاقات فريقين أساسيين على مستوى الاتجاه السيادي منذ نشوء جبهة 14 آذار عام 2005؟
تجيب الأوساط ذاتها بأن لا معلومات دقيقة في شأن موقف الرياض من إطلالة الرئيس الحريري الأخيرة وزيارة وفد “القوات اللبنانية” لبيت الوسط. لكنها في المقابل، ذكرت أن المملكة لا تتعاطى مباشرة مع مجريات الأزمة اللبنانية بالمفرق، إلا أنها تنتظر كيف ستنتهي مرحلة إكمال عملية بناء المؤسسات بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مروراً بتشكيل حكومة جديدة، وصولاً الى بدء عمل الحكومة وفقاً لبيان وزاري واضح يلتزم اتفاق الطائف، وعندئذ سيكون للسعودية موقف وتوجّه لتقديم مساعدات لبنان لمؤازرته في عملية النهوض.
كيف يمكن تقييم هذه الحصيلة من اللقاء بين بيت الوسط ومعراب؟ لا بد بداية من الإشارة الى تطوّر في حركة الرئيس الحريري على الساحة اللبنانية. وعندما سئل أحد المقرّبين من زعيم “المستقبل” عن تقييمه لزيارة الأخير لبيروت، أجاب: “من راقب المواقف التي أدلى بها الحريري أمام الإعلاميين واللقاءات التي شهدها بيت الوسط والزيارات التي قام بها صاحب البيت خارجه، يعلم أن الحريري قد وجّه رسالة سياسية لمن يعنيه الأمر”.
إذن، هناك رسالة سياسية جاء بها الحريري الى بيروت قبل أن يعود أدراجه الى دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يقيم ويدير أعمالاً خاصّة. وفي إطار هذه الرسالة، كما علمت “النهار”، هناك حركة سياسية سينطلق بها أحد المستشارين لرئيس الحكومة السابق هذا الأسبوع في اتجاه فرقاء داخليين في إطار استكمال المشاورات التي بدأت في 14 شباط الجاري.
الى أين ستفضي هذه التطورات التي يجب متابعتها عن كثب في المرحلة الراهنة؟ الجواب، سيأتي من أفرقاء فريق المعارضة الذين تشتتوا في الأعوام الأخيرة. فهل سيكون لعودة المياه الى مجاريها في معادلة “س.س” الداخلية والتي كانت سابقاً ترمز الى السعودية وسوريا في زمن الطائف، لكنها اليوم ترمز الى سعد الحريري وسمير جعجع وما يمثلان لبنانياً، من تأثير على مجرى الاحداث؟ لننتظر كي نرى.
أحمد عياش – النهار