جسر الإغاثة من لبنان يوظَّف لتلميع “أبو الزلازل”؟

حتى في زمن الكوارث الطبيعية المدمّرة، هناك من لديه جرأة ان يبادر الى الدفاع عن النظام السوري الذي ألحق بسوريا منذ نصف قرن تقريبا أعتى الكوارث. وهكذا إنتظمت جوقة من الضاحية الجنوبية لبيروت الى طهران مع التابعين في لبنان، لطرح قضية العقوبات على النظام من زاوية تحميلها المسؤولية عن الزلزال المدمر الذي ضرب الاثنين الماضي تركيا وسوريا معا.

كان مفهوما ان تأتي ردة الفعل الرسمية في لبنان على الزلزال من زاوية إنسانية بحتة، فضلا عن واجب متابعة ملف عشرات اللبنانيين الذين كانوا من ضحايا الزلزال في البلدين، ومعظم هؤلاء ما زالوا في عداد المفقودين. لكن الموقف الرسمي، بدءا من موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والوزراء، وصولا الى رموز العهد السابق وعلى رأسه الرئيس ميشال عون، بدا متعاطفا مع النظام وليس الشعب في سوريا الذي نال الويلات ولا يزال على يد هذا النظام. فهل كان من داعٍ لهذا التهافت المباشر على ذهاب الرسميين الى دمشق بدلا من التركيز فقط على المساعدات المتوافرة شرط ان تذهب الى مستحقيها مباشرة بدلا من النظام؟

وفي هذا السياق، كتب بريت ستيفنز في صحيفة “النيويورك تايمس”: “لديّ آمال أقل في سوريا، حيث لا يوجد حد للقسوة التي يستعد بشار الأسد لإلحاقها بشعبه للحفاظ على نفسه في السلطة”.

أما في لبنان، فقد نشر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صوراً من المأساة السورية جرّاء الزلزال، عبر حسابه على “تويتر” وارفقها بالقول: “ساعدوا الشعب السوري المنكوب في محنته من كل الجهات، واضغطوا لفتح ممرات آمنة للجهات الدولية بعيداً من ابتزاز النظام وأصدقائه”.

في المقابل، وتحت عنوان “ارفعوا الحصار عن سوريا”، نشر موقع “العهد” الالكتروني التابع لـ”حزب الله” تعليقا جاء فيه: “الأرواح البريئة التي قضت تحت دمار المباني المهدمة جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وتأثرت به مناطق سوريّة بشكل كبير، لم تكن فقط ضحيّة “غضب الطبيعة” كما يسميه البعض، بل ضحية العقوبات الأميركية الجائرة على سوريا”.

أما في طهران، وتحت عنوان “الزلزال فضح الازدواجية الغربية وهشّم قيصرها”، كتبت صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان المحافظين في إيران تقول: “الغريب والعجيب هو مواقف الدول الغربية التي تتغنى ليل نهار بالانسانية وحقوق الانسان نراها قد غابت عن الساحة السورية وبان نفاقها وازدواجيتها حين ركزت اهتمامها على تركيا الاطلسية فقط”. لكنّ صحفاً إيرانية أخرى، من خارج قبضة النظام الإيراني، تحدثت عن الأوضاع السيئة التي يمر بها منكوبو زلزال مدينة “خوي”، شمال غرب إيران، وعجز السلطات عن توفير حاجاتهم والأدوات اللازمة للتدفئة، ما دفع الكثيرين منهم إلى استخدام طرق غير آمنة للحصول على الدفء وحماية أنفسهم من البرد، وقد أدى ذلك في بعض الحالات إلى وفيات وحالات تسمم كثيرة إثر استنشاق الغاز السام. وهذه المعطيات مستقاة من موقع “إيران إنترناشونال” الالكتروني المعارض.

أما بالنسبة الى نظام الاسد، فقد انتهز فرصة الزلزال ليفتح خطا مع إسرائيل تحت ستار طلب الإغاثة. فقد أورد موقع 24i news الالكتروني ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، الإثنين الماضي، أنه “وافق” على إرسال مساعدة إلى سوريا التي ضربها زلزال عنيف، بعد تلقّي طلبٍ من دمشق عبر قنوات “ديبلوماسية”، فيما لا توجد علاقات رسمية بين البلدين. وقال أمام نواب حزبه “الليكود” إنّ إسرائيل “تلقّت طلباً عبر مصدر ديبلوماسي لتقديم مساعدة إنسانية لسوريا ووافقتُ على ذلك”. وأضاف أنه سيصار الى إرسال المساعدة قريباً. ومن المرجح ان القنوات “الديبلوماسية” التي اعلن عنها نتنياهو هي موسكو.

أما في نيويورك، وفيما كانت كارثة الزلزال تتوالى فصولا، أطل أمير سعيد إيرواني، سفير إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، لـ”يشكك في صدقية تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتهم سوريا بشن هجوم كيميائي مزعوم عام 2018 ضد شعب البلد العربي”، كما أوردت وسائل الاعلام الايراني.

بالعودة الى لبنان، بدا التحرّك الرسمي المفرط في انفتاحه على النظام السوري، كأنه صدى لضغوط “حزب الله”. غير ان المفارقة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كانت له إطلالة خلال القائه كلمة في احتفال تدشين المبنى الجديد للسفارة الايرانية في بيروت، تحدث عن “سفارة لبلد صديق للبنان رغم التجنّي والنكران! بلد يعرض العطاء والدعم والمؤازرة فيُرد! في الكهرباء والدواء والطاقة و… و… فيُصد. بئس الزمن الرديء أن نخشى من عقوبات الآخرين فنخضع ونستجيب”. لكن كلمة بري خلت من أي إشارة الى كارثة الزلزال والى ضحاياها اللبنانيين على الأقل.

ومن المفارقات أيضا، ان الإعلام كشف أخيرا عن كوارث انهيار أبنية محتملة في الشمال عموما وطرابلس خصوصا، ولكن لم تسجل أي ردة فعل رسمية لا سيما من إبن طرابلس الرئيس ميقاتي.

ماذا بعد؟ مَن يشاهد صور كارثة الزلزال في سوريا يختلط عليه الامر فيظن انها من أرشيف حرب النظام على شعبه، لاسيما حلب التي دمَّرت معظمها براميل الأسد المتفجرة والمحشوة بنيترات الامونيوم التي وصلت عبر مرفأ بيروت في نهاية العام 2013 قبل ان تدمر بقيتها معظم بيروت في 4 آب 2020. إنه الأسد “أبو الزلازل” الذي يهرع اليه رسميّو لبنان لتلميع صورته!

 

أحمد عياش – النهار