أغيثوا وساعدوا بلا حسابات سياسية

بعد كارثة الزلزال المدمّر التي حلت بكل من تركيا وسوريا يجب أن يكون هناك استنفار إغاثي دولي واسع لمساعدة الشعبين المنكوبين. هما شعبان موجوعان الى أبعد الحدود، ومن هنا لا يجوز التغافل عن المسؤولية الإنسانية الواجبة تجاه الشعبين العزيزين. ما يهمّنا هنا هو الحديث عن واجباتنا كلبنانيين تجاه إخواننا السوريين، وهم الجيرة الأكثر قرباً منا، فنقول إننا كلبنانيين مدعوون الى أن نقف بجانب إخوتنا السوريين كما فعلنا دائماً. وبالتالي من المهم أن نقدم ما أمكن من مساعدة إنسانية إغاثية إنقاذية، وذلك بحجم قدراتنا المتواضعة ولا سيما بعدما بات وطننا على الحضيض. وبناءً على ذلك، كل ما نستطيعه يجب أن نقدّمه ولا سيما أننا كلبنانيين لم نبخل على الشعب السوري في فتح باب اللجوء الى لبنان هرباً من ويلات الحرب الدموية التي اشتعلت في كل أرجاء سوريا. وحالياً ثمة أكثر من مليون مواطن سوري مقيم على أرض لبنان معظمهم يحمل صفة اللجوء. ووجودهم بيننا مرحّب به على الرغم من كل مصاعبنا، وهو ينتظر أن يقتنع النظام السوري بإنهاء حالة القمع والملاحقات الدموية بحق شريحة واسعة منهم، أو أن يقلع عن تنفيذ سياسة التطهير الديموغرافي والطائفي في مناطق معروفة بالاتساق مع مخطط إيراني معروف يهدف الى تغيير الطبيعة السكانية السورية من أجل الإمساك بما يُعرف بـ”سوريا المفيدة”. وفي الأثناء ومع الوقت يفقد ملايين السوريين حق العودة الى بيوتهم في قراهم وبلداتهم ومدنهم، وتترسخ بذلك حقائق سكانية جديدة في سوريا، كأن تتحوّل التركيبة السكانية لدمشق ومحيطها على نحو جذري بفعل تبديل المعادلة السكانية واستبدال فئات سكانية غير “مأمونة” بفئات أخرى “مضمونة” الولاء بعضها مستقدم من مناطق سورية أخرى، وبعضها الآخر يجري استقدامه من خارج الحدود.كل ذلك مع العمل المتسارع على تغيير تركيبة الملكية العقارية بشكل يحول دون العودة الى مرحلة ما قبل ٢٠١١ نهائياً.

ما من شك في أن النظام في سوريا مسؤول بنسبة كبيرة عن قتل مئات الآلاف من السوريين الذين أسقطت فوق رؤوسهم آلاف البراميل المتفجرة (يقال إن بعضها عُبّئ بمادة “نيترات الأمونيوم” المستقاة من مخزون مرفأ بيروت الذائع الصيت!)، وجرى تهجير ملايين السوريين في كل اتجاه، دائماً في إطار خطة التغيير الديموغرافي المشار إليها آنفاً. لذا نقول إن مقاربة مسألة مساعدة الشعب السوري المصاب في الزلزال الأخير يجب ألّا تكون مناسبة لكي يتهافت العالم على النظام الذي فعل بالسوريين أضعاف ما فعله الزلزال. ويجب ألّا تكون مناسبة لمحاولة تبييض صفحة سوداء في تاريخ البشرية جمعاء لحسابات سياسية. ولبنان الرسمي ولا سيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وهو صديق قديم لبشار الأسد يجب أن يكون حذراً من ميله الطبيعي للانجرار مع موجة التطبيع مع النظام السوري قبل أيام من ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لأن شيئاً لم يتغيّر بعد في سوريا، ولأن مساعدة الشعب السوري لا تتطلب تطبيعاً سياسياً كاملاً مع دمشق في الوقت الذي لم نلمس فيه مرة واحدة حرصاً من الأسد على فتح أبواب العودة أمام ملايين من السوريين المهجرين خارج منازلهم وبلدهم. وجلّ ما حصل هو مسرحيات معروفة من حلفاء ما يُسمّى محور “الممانعة” في لبنان لإعادة بضع مئات من اللاجئين بحافلات وطبل وزمر، سرعان ما يعودون في الأسبوع الذي يلي الى لبنان كأن شيئاً لم يكن. خلاصة القول، نعم لإغاثة الشعب السوري الحبيب، لا لهذه العراضات المخجلة لتبييض صفحة ما من شيء يمكن أن يبيّضها.

 

علي حمادة – النهار