هل يطمئن “الحزب” للعماد عون رئيساً؟

أكثر من تحرك قام به “الحزب” على خط الاستحقاق الرئاسي في الأيام القليلة الماضية، وأبرز هذه التحركات إعادة فتح الخطوط مع بكركي من خلال زيارة لوفد من الحزب برئاسة رئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيّد وإطلالة للأمين العام للحزب حسن نصرالله أعاد فيها المطالبة برئيس لا يطعن ظهر المقاومة.

وإذا كانت زيارة وفد حزب الله كسرت القطيعة بين البطريركية المارونية والضاحية الجنوبية لبيروت والتي دامت طويلاً، إلا أنها لم تسجل أي خطوة تراجعية من قبل بكركي بل على العكس بدا أن حزب الله هو من قام بمثل هذه الخطوة على الرغم من أن أوساطاً في الحزب تتحدث عن زيارة سبق أن قام بها المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض إلى الضاحية للقاء المسؤول عن الملف المسيحي محمد الخنسا. وقد جاءت زيارة التهنئة بالأعياد في وقت يًسجّل تباعدا بين الحزب والتيار الوطني الحر ما يفيد بأن الحزب وفي ظل خلافه الاستراتيجي مع حزب القوات اللبنانية ليس أمامه سوى الانفتاح على البطريركية المارونية تعويضاً عن علاقته المهتزّة بالتيار وللحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات مع الطرف المسيحي.

أما قول نصرالله “برئيس لا يطعن المقاومة ويحمي البلد من حرب أهلية”، فيعني رفض ترشيح رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض أو من يشبهه من مرشحين سياديين وإصلاحيين في مقابل تأييد ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية أو من يشبهه. وإذا كان الاسمان المتقدمان في السباق الرئاسي لغاية تاريخه هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، فهل يُطمئن قائد الجيش الحالي السيد نصرالله؟

لا يمكن الجزم بمقدار اطمئنان حزب الله إلى قائد الجيش نظراً لأن العماد عون لا يطلق مواقف سياسية بل يركّز اهتمامه على صون المؤسسة العسكرية وضمان استمراريتها واستمرارية ضباطها وجنودها. وفي خلال السنوات الست التي تسلّم فيها جوزف عون قيادة الجيش لم تحصل مواجهة مباشرة بين الجيش وحزب الله لا في الجنوب ولا في البقاع بل كان يحصل تنسيق وتعاون انطلاقاً مما تنصّ عليه البيانات الوزارية حول دور المقاومة. وهذا ما يفسّر إعادة الشاحنة التي أطلقت صواريخ من خراج بلدة شويا على مزارع شبعا إلى الحزب وعدم توقيف من كانوا على متنها، وهذا ما يفسّر عدم حصول صدام في منطقة عمليات القرار 1701 على الرغم من الملاحظات العديدة حول أداء الحزب وعدم احترامه الكامل لتطبيق القرار الدولي وتحريضه الأهالي على “اليونيفيل” إن خرجت دورياتها عن المسار العام إضافة إلى احتفاظه بترسانته العسكرية غير الظاهرة في الجنوب على الرغم من انتشار الجيش والقوات الدولية.

أما أبرز المآخذ من حزب الله على قيادة الجيش فتتمثل في 3 قضايا: الأولى عدم استجابة الجيش لطلب العهد السابق ومن ورائه حزب الله بقمع التحركات الاحتجاجية بعد 17 تشرين الأول وعدم التلبية الفورية للنداءات بفتح الطرقات الرئيسية، والثانية تصدّي الجيش لتظاهرة الثنائي الشيعي على أبواب الطيونة وعين الرمانة ما أسفر عن وقوع 7 قتلى وعدد من الجرحى، والثالثة هي التعاون الأمريكي مع قيادة الجيش والتي حملت نصرالله في خطابين على الأقل على انتقاد الخبراء الأمريكيين الذين يسرحون في اليرزة برفقة السفيرة الأمريكية. وإذا كان التعاون مع واشنطن غير مستجد بل يعود إلى عهد الرئيس أمين الجميّل إلا أنه ظهّر أكثر في زمن القيادة الحالية علماً أن دعم الجيش لا يقتصر فقط على الإدارة الأميركية بل هناك حالياً دعم قطري وآخر فرنسي وإيطالي وبريطاني وألماني.

وبخلاف الجيش لا يعير حزب الله أهمية لباقي الأحزاب بقدرتها على مواجهته عسكرياً، من هنا يحاذر الحزب الاصطدام بالجيش مثلما يحاذر الجيش الاصطدام بالحزب. ومن المعروف أن الجيش يأتمر بالسلطة السياسية وهو لا يتحمّل كلفة أي مواجهة مع فريق لبناني مسلّح بحجم حزب الله. وسبق لرئيس الحكومة العسكرية وقائد الجيش الأسبق ميشال عون أن اصطدم بالقوات اللبنانية ومُني بهزيمة وألحق بالمسيحيين خسائر فادحة. لكنه نجح آنذاك من خلال الدعاية السياسية في استمالة شريحة واسعة من الرأي العام من خلال رفعه الشعار الذي خيّرهم بين “الدولة أو الدويلة” فنال تعاطفاً شعبياً نظراً لتوق الناس إلى الدولة والتخلّص من الميليشيات. وهذا ما ينطبق حالياً على الجيش وحزب الله، فمعظم مكوّنات الشعب اللبناني تقف إلى جانب الجيش الذي يجسّد الدولة ولا تصطف خلف حزب الله الذي يمثّل الدويلة والميليشيا.

من هذا المنطلق، يُفهَم كلام نصرالله حول رئيس لا يطعن المقاومة أي أنه يريد رئيساً لا يوفّر الغطاء للجيش لضرب حزب الله، بل يريد رئيساً يمون عليه كالرئيس ميشال عون أو الرئيس إميل لحود ولا يريد رئيساً يتجرّأ عليه كما فعل الرئيس ميشال سليمان ويدفعه إلى الموافقة على إعلان مثل “إعلان بعبدا” يلزمه بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة أو يستدرجه للموافقة على استراتيجية دفاعية تضع سلاحه وقرار الحرب والسلم بإمرة الدولة اللبنانية وجيشها اللبناني.

وإلى حين يطمئن نصرالله إلى مثل هذا الرئيس سيبقى الشغور الرئاسي مسيطراً على البلد ظناً من حزب الله أن عامل الوقت سيلعب لصالحه على غرار تجربة الرئيس عون، فترضخ القوى السيادية أو المستقلة والتغييرية لخيار سليمان فرنجية عاجلاً أم آجلاً. أما اذا استُبعد خيار فرنجية كلياً وفُتح الباب أمام خيار التسوية التي تأتي برئيس يطمئن إليه الحزب وإلى ضماناته، ففي الانتظار لا يضع الحزب في مواقفه العلنية فيتو على قائد الجيش ولا يقطع الطريق أمامه بل يبقي الخطوط مفتوحة بدليل الزيارة اللافتة التي قام بها مسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا إلى اليرزة وإن كانت أوساط الحزب حرصت على عدم ربطها بالاستحقاق الرئاسي بل بإزالة أي إلباس أو تفسيرات أعطيت لكلام نصرالله عن أنه موجّه لقائد الجيش عندما قال “المطلوب رئيس ليس إذا صرخوا عليه في السفارة الأميركية أو الخارجية الأميركية أو القيادة الأميركية الوسطى يبدأ بالرجف والخوف”.

 

 

سعد الياس – القدس العربي