عن مستقبل الصراع في فلسطين!

دشّن وزير الأمن الوطني الإسرائيلي الجديد إيتمار بن غفير نشاطه الوزاري بعد ساعاتٍ قليلةٍ من نيل الحكومة اليمينيّة المتطرفة ثقة الكنيست وانعقاد الاجتماع الأول للحكومة، بزيارة إلى المسجد الأقصى مدّعياً بأنّه سيحافظ على حريّة الحركة للمسلمين والمسيحيين ولكنّه سيحفظ حق اليهود أيضاً بالدخول إلى تلك المناطق المقدسة.

يقدّم هذا المثال فكرة عمّا ستؤول إليه الأوضاع داخل فلسطين المحتلة في الحقبة المقبلة، وهي ستكون مليئة بالتحديات على مختلف المستويات، لا سيّما في ما يخص الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي تُضرب عرض الحائط ولا يكترث لها ما يُسمّى «المجتمع الدولي» الذي لا يتوانى عن اعتماد المعايير المزدوجة في السياسات المتعلقة بفلسطين.

في الواقع، ليس هناك «اعتدال» في السياسة الإسرائيليّة. دائماً كان النزاع السياسي الداخلي بين الأحزاب الإسرائيليّة يتمحور بين المتطرفين والأكثر تطرفاً. حتى الحكومات «اليساريّة» التي كان يقودها حزب «العمل» والتي كانت تصطنع الحديث عن «السلام» مع الفلسطينيين والعرب، كانت أكثر تطرفاً من حكومات اليمين والليكود، ولم تقصّر في اعتداءاتها على لبنان وغزة والضفّة الغربيّة.

الفارق الأساسي اليوم هو أنّ الأحزاب الإسرائيليّة بغالبيتها باتت تعلن صراحة ما تضمر ولا تتلطّى خلف العبارات البرّاقة، إنما الكاذبة، التي كانت تُستخدم من قبل حزب «العمل» وأقرانه. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يجد حرجاً في العمل على تعديل قوانين وتشريعات بهدف ضمّ الفصائل التي يمكن من خلالها أن يؤمّن ثقة الكنيست.

الثابت في السياسات الإسرائيليّة أنّها لا تكترث لإقامة السلام مع الفلسطينيين، لا بل هي تعتبر ذلك مسألة شبه محسومة لأنّ أي انغماس لها في خطوة كهذه سيعني تقديم تنازلات من قبلها وهو ما لا ترغب به إطلاقاً. وغنيٌ عن القول إنّ هذا المسار أصبح أكثر تجذراً مع توقيع «إتفاقيّات أبراهام» في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتي فتحت العديد من الأبواب العربيّة التي كانت موصدة في وجه تل أبيب لعقود طويلة.

لطالما راهنت إسرائيل على تشتت الموقف العربي بهدف «استفراد» الدول العربيّة والذهاب إلى التطبيع مع كل منها فرادى. ولم يخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي رغبته الجامحة بمواصلة تفكيك الألغام التي لا تزال تقف حائلاً أمام مواصلة سياسة «الانفتاح» والتطبيع مع دول عربيّة أخرى. لا بل يمكن القول إنّ هذه هي الأولويّة الرئيسيّة لنتنياهو وحكومته الجديدة، وكل ما عدا ذلك هو تفصيل بسيط بالنسبة إليه.

كم تبدو مواصلة الكلام عن «عمليّة السلام» خارج سياقها الزمني الطبيعي. المبادرة العربيّة للسلام التي أقرّت في قمّة بيروت العربيّة سنة 2002 (نعم كان لبنان يستضيف قمماً عربيّة وعالميّة!) شكّلت منعطفاً مهماً في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي إلّا أنّها لم تحظَ قط بالاستعداد الإسرائيلي.

حتى إتفاق أوسلو (1993) الذي وُلد على عجل وعلى خلفيّة تداعيات النتائج الكارثيّة للغزو العراقي للكويت، وهي إتفاقيّة «الحد الأدنى» من الحقوق الفلسطينيّة، لم تلتزم بها إسرائيل ولم تُطبقها بل اعتمدت سياسات المراوغة والمماطلة وأبقت الملفات الأكثر تعقيداً أي الحدود النهائيّة والقدس واللاجئين من دون حسم لأنهّا، بكل بساطة، ليست مستعدة للتنازل في أي منها.

والطامة الكبرى تبقى في الإنقسام الفلسطيني الداخلي بحيث تتباين الرؤى الاستراتيجيّة حيال كيفيّة مقاربة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ما يُضعف الموقف الوطني الفلسطيني ويجعل إمكانيّات المواجهة الموحدة هشّة للغاية. وأغلب الظن أنّ مصير «إتفاق الجزائر» للمصالحة الوطنيّة الفلسطينيّة سيلقى مصيراً مماثلاً لاتفاقات مكة والقاهرة والدوحة وسواها.

في المحصلة النهائيّة، الشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن داخل وخارج فلسطين!

 

رامي الرّيس – نداء الوطن