شينكر: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ لبنان، ويعرفُه اللبنانيّون جيّداً: تولّى منصبه أثناء ولاية دونالد ترامب، تزامناً مع الأزمة الاقتصاديّة واندلاع ثورة 17 تشرين 2019. والأهمّ أنّه كان تولى مرحلة من المُفاوضات غير المُباشرة لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، والتي أزهرت اتفاقاً في نهاية 2022.

من أجل هذا وأكثر كان معه حوار العام دولياً في “أساس” ضمن ملفّ “عام التحوّلات”.

تطرّق الحوار إلى الوضعين الإقليمي والدولي، من لبنان إلى السّعوديّة إلى العراق مروراً بالأوضاع السّياسيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة. لكنّ أهمّ ما قاله شينكر هو أنّ “الإدارة الأميركيّة لا تُدرك أهميّة السّعوديّة”.
في الحوار مع شينكر، يكون دائماً حزب الله وسلاحه حاضرين، باعتبارهما “محور” صناعة السياسة في لبنان. ويضيف إلى هذا المُعطى “الفساد”، لتكتمل ثلاثية “الأزمة اللبنانية” التي يختصرها بالحزب وسلاحه والفساد السياسي.

ضمن هذا العقل السياسي، ينفي شينكر وجود حِصار أميركيّ للبنان: “هذه نظريّة يُسوّقها الحزب. لديكم حكومة تتجنّب القيام بالإصلاحات. ولا أحد يُمكنه مُساعدة لبنان إن لم يُساعِد نفسه. لبنان ليسَ في أزمة. هو مُتكيّف مع الحالة القائمة. الأزمة ينبغي أن تؤدّي إلى تحوّل. وعدم تغيّر أيّ شيء في لبنان لا يعني أنّ البلد واقع في أزمة. الوضع القائم في لبنان تحوّل إلى وضعٍ طبيعيّ. لبنان شهدَ في السابق فراغاً رئاسيّاً، وتكيّف مع شحّ العملات الأجنبيّة في مصرفه المركزيّ، وفقدانه الكهرباء”.

الترسيم: اعتراف بإسرائيل.. وفساد

كانَ اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل الحدث السّياسيّ الأهمّ في لبنان خلال 2022. بالنسبة إلى شينكر، هو “الاعتراف الأوّل من حكومة لبنان بوجود إسرائيل، والأهمّ أنّه بين حزب الله وإسرائيل”. أكثر من ذلك، يعتبر أنّ العام الماضي هو عام تحوّل الحزب إلى شريك اقتصاديّ لإسرائيل. أمّا الطائرات المُسيّرة التي أطلقها قبل توقيع الاتفاق، فيقرأ فيها “اختلاقَ حالة تصعيد وتهديد بالحرب في حال لم يُنجَز الاتفاق”. لكنّ الحزب “يعلم أنّ الحكومة الإسرائيليّة لا تريد الحرب، وهذا ما دفعَه إلى التلويح بالتصعيد على الحدود”.

– لكن هل يستفيد لبنان من ثروته الكامنة في مياه المُتوسّط؟

يجيبُ أنّ لبنان لن يستطيع قطف ثمرات التوقيع باستخراج الغاز والحصول على الأموال قبل 7 سنوات. الاتفاق يُشبه “أيّ مشروعٍ للدّولة اللبنانيّة: تذهب الأموال إلى الفاسدين ولا يستفيد منها اللبنانيّون”.

يرى شينكر “إصلاحات صندوق النّقد الدّوليّ” مدخلاً أساسيّاً إلى الاستفادة من الثّروة النّفطيّة، إن وُجِدَت: “لا يستطيع لبنان أن يستفيد جدّيّاً مع غياب الإصلاحات والشّفافية. وحتّى السّاعة لم يقدم على أيّ خطوة في اتجاه تطبيق شروط الصندوق. قد يجد لبنان غازاً طبيعياً في حقوله، وقد لا يجد. ليس من إثباتٍ حتّى اللحظة. لكنّ هذا البلد ليسَ بيئة صالحة للاستثمار حتّى السّاعة”.

– لكن لماذا وافق الحزب على الترسيم؟

“لم يعد يتحمّل أن يُنظَر إليه في الدّاخل اللبنانيّ باعتباره عاملاً يمنع استفادة البلاد من استخراج الغاز الطّبيعيّ. في بادئ الأمر كان حزب الله ضدّ الاتفاق. لكنّ نظرة اللبنانيين إليه هي التي دفعته إلى تغيير موقفه”.

جوزف عون رئيساً

كانَ عام 2022 مُذيّلاً بالفراغ الرّئاسيّ في لبنان، مع مُغادرة الرّئيس ميشال عون قصر بعبدا من دون خلف. لكن بناءً على مُجريات الأحداث في لبنان والمنطقة، يتوقّع شينكر أن يُنتَخَبَ قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً خلال 3 أو 4 أشهر.

المسؤول الأميركي السابق، المدمن على متابعة الوضع اللبناني، لا يُعطي أهميّةً كبيرة لإمكان أن يُعرقِل جبران باسيل انتخاب عون، في حال قرّرَ حزب الله انتخابه في اللحظة المُناسبة: “رأينا جبران قبل أيّام يُقبّل خاتم الأمين العام لحزب الله بعد خروج الخلاف بينهما إلى الإعلام. يحاول باسيل أن يكونَ رئيساً، لكنّه شخصيّة غير محبوبة في الدّاخل والخارج”.

باسيل يستجدي رفع العقوبات

– إذاً ماذا يفعل باسيل في زياراته المُتكرّرة لقطر؟

يجيب شينكر: “لا أعلَم ماذا يفعل جبران في قطر. لكنّ الواضح أنّه، في محاولاته المُتكرّرة، لم يستسلم للعقوبات الأميركية. لا يزال يعقد بعض الآمال على رفعها عنه، على الرغم من أنّ الإدارة الأميركيّة لا تعمل بهذه الطّريقة”.

العاقبيّة وطهران

يعود شينكر إلى مسألة الانتخابات الرّئاسيّة. يقول إنّ الحزبَ لا يُمانع انتخاب جوزف عون الذي لم يُشكّل عائقاً أمام حركة الحزب بكامل حرّيّته في مناطق الجنوب: “قبل أيّام قتلَ الحزبُ عنصراً من قوّات اليونيفيل، ولن يكون هناك أيّ تحقيق جدّيّ ولن تتحقّق العدالة”.

يعتبر أنّ قائد الجيش يستطيع أن يُوازن بين علاقاته الجيّدة مع المسؤولين في واشنطن، وفي الوقت عينه يحرص على ألّا يكونَ “عاملَ إزعاجٍ” أو أن يحتكّ بالحزب. ولهذا لم نرَ أيّ إجراء من قبل الجيش تجاه تحرّكات الحزب.

يضع شينكر حادثة العاقبيّة في صلبِ سياسة حزب الله ومن خلفه إيران: “تعمل طهران على رفع التصعيد في المنطقة. إضافة إلى ما حصل مع اليونيفيل، هُناك تحرّكات إيرانيّة في العِراق، وتسليح ميليشيات الحوثيّين. ورأينا محاولات للاعتداء على إسرائيليين وأميركيين أو اختطافهم. التصعيد الإيرانيّ واضح. فهذه سياسة إيران حين يشتدّ عليها الضّغط الدّاخليّ”.

الاغتيالات مُجدّداً؟

لا ينفي شينكر احتمال أن تنعكس التظاهرات في إيران على لبنان. فهي باتت عامل قلق للنّظام الإيراني. يقول إنّ النّظام الإيرانيّ يلجأ عادةً إلى إصدار أوامر عمليّات لأذرعه في المنطقة كلّما اشتدّ الضّغط الدّاخليّ عليه. وقد يلجأ إلى زعزعة الاستقرار في أماكن وجود أذرعه على الحدود مع إسرائيل. لكنّه يعتقد في الوقت عينه أنّ حزب الله لا يريد أن يخوضَ الحرب.

يختم حديثه عن الوضع اللبنانيّ بالقول إنّ حزب الله قد يلجأ إلى تنفيذ اغتيالات: “هو يقوم بذلك كلّما أحسّ بحرّيّة الحركة، خصوصاً في الوقت الذي تبحث فيه إدارة بايدن الوصول إلى اتفاقٍ نوويّ مع إيران. رأينا كيف قتلوا لقمان سليم بعد 3 أسابيع من رحيل إدارة دونالد ترامب. واليوم يشعر أنّه حرّ ليقتل في هذه الفترة”.

ينحاز شينكر إلى وجهة النظر التي هجرها الرئيس بايدن. وهي المدرسة التي ترى في دول الخليج العربي “شريكاً” و”حليفاً” لأميركا ومصالحها، في حين يلهث بايدن خلف اتفاق مع إيران كاد أن يُطلق يدها في الدول العربية ويقطّع أوصال مجتمعاتها.

التحوّط الدولي السعودي

يبدأ المسؤول الأميركي السابق قطاره التحليليّ من الحدث الذي تزامن مع نهاية سنة 2022: القمّة العربيّة – الصّينيّة التي استضافتها السّعوديّة. الصّين هي أكبر شريك تجاري للمملكة ودولة الإمارات. ولدى الدّولتيْن، كما بعض الدّول العربيّة الأخرى، شراكات عميقة في البنى التحتيّة التي تُنفّذها شركات صّينيّة بكلفة أقلّ من الشّركات الغربيّة.

كان الهدف من زيارة الزّعيم الصّينيّ شي جينبينغ الأخيرة للسّعوديّة إظهار التّباين مع إدارة بايدن. وتدخل أيضاً في إطار “التحوّط الدّوليّ” الذي تقوم به السّعوديّة في المدّة الأخيرة، باعتبار أنّ أميركا شريكة أمنيّة للسعودية، و”السّعوديّة تعلم أنّ الصّين لن تقوم بأيّ شيء لحماية المملكة من التّدخّلات والاعتداءات الإيرانيّة. الصّين أساساً لا تلعب هذا الدّور الأمنيّ في المنطقة”.

العديد من دول المنطقة، ومن بينها إسرائيل، تتمتّع بشراكات تجاريّة مع الصّين. لكنّ مكمن قلق الأميركيين ليسَ الاتفاقيّات التجاريّة، بل تتخوّف واشنطن من دخول الصّين مجال الاتصالات في الدّول الشّريكة لواشنطن عبر شركة “هواوي” وشبكات الجيل الخامس: “هذا سيسبّب مشكلة في العلاقة الاستراتيجيّة بين دول الخليج وواشنطن”.

إدارة بايدن أساءت للسعوديّة

في ردّ على سؤال عن تقويمه لتعاطي الإدارة الأميركيّة مع دول الخليج العربيّ، يجيب شينكر أنّ إدارة بايدن أساءَت في أكثر من مُناسبة التعامل مع السّعوديّة، ومع وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان والحكومة السّعوديّة. ينتقِد إدارة بلاده، ويقول إنّها لم تنظر إلى إيجابيّات العلاقة مع السّعوديّة، وإلى التحوّلات الاجتماعيّة الكبيرة التي يقودها محمّد بن سلمان على جميع المستويات، والخطوات التي تقوم بها السّعوديّة على صعيد الإصلاح الدّينيّ والتنوّع الاقتصاديّ: “إدارة بايدن لم تنظر إلى أهميّة ما يحصل في السّعوديّة. إضافة إلى أنّ المشاريع في العالم لا تزال تحتاج إلى مصادر الطّاقة الخليجيّة، على الرّغم من التحوّل نحو الطّاقة النّظيفة”.

واشنطن “لم تخسر السّعوديّة بعد”… حتّى الآن. لكنّ الواقع يقول إنّ معادلة “النّفط مُقابل الأمن” التي كانت قائمة قد تغيّرت. المملكة لديها مخاوف واستفسارات تتعلّق بالتزامات أميركا الأمنيّة في المنطقة: “العلاقة ينبغي أن تقوم على معادلة جديدة تكون أوضح وأوسع، وليست مبنيّة فقط على تقديم الأمن، بل على الشّراكات التجاريّة والعمل المشترك في مشاريع مُختلفة. على أميركا أن تُدرك أنّ السّعوديّة دولة مُستقلّة ولها مصالحها وتستطيع أن تتّخذ قراراتها بناءً على مصالحها”. هكذا يجزم شينكر أنّ الرياض باتت تتمتّع باستقلالية تمكّنها من الذهاب باتجاه الصين لحماية مصالحها، من دون استعداء واشنطن، ويدعو إدارته إلى البحث عن أرضيّة مناسبة لتمتين الحلف الأمني والتجاري والسياسي أوّلاً، مع المملكة التي “تشهد تغييرات لا يمكن التغاضي عنها”.

واشنطن احتارت بين السوداني والصدر

من السّعوديّة ننتقل معه إلى بلاد ما بين النهرين. هُناك انقلَبت الأمور في 2022، وسيطرت الأحزاب الموالية لإيران على السّلطة على الرغم من خسارتها الانتخابات النّيابيّة. بالنسبة إلى شينكر، “لم تستثمر إدارة بايدن جدّيّاً نتائج الانتخابات العراقيّة التي خسرتها الأحزاب الموالية لطهران. وهذا سببه أنّ الإدارة ابتعدت عن الملفّ العراقيّ، وهو ما سمح لإيران بالعودة إلى السّلطة عبر محمّد شياع السّوداني”.

يكشفُ أنّ جدلاً دارَ في الولايات المُتحدة عنوانه: “الاختيار بين زعيم التّيّار الصّدري مقتدى الصّدر ومحمّد شيّاع السّوداني”. ويكشف شينكر معطىً جديداً في الملف العراقي: “الصّدر لم يكن يوماً صديقاً للولايات المتحدة. فقد تزعّم ميليشيا جيش المهدي بعد الغزو الأميركيّ للعراق. وخاضَ شخصيّاً قتالاً مُباشراً ضدّ القوّات الأميركيّة وأصيبَ. وشارك في قتل أميركيين. لكنّه في الوقت عينه لا يريد أن ينخرط بشكلٍ كامل في المشروع الإيرانيّ في العراق”.

يؤكّد شينكر أنّه لا يُمكن الاعتماد على الصّدر: “هو شخصٌ من الصّعب توقّع مواقفه وخطواته. الحشد الشّعبيّ في المُقابل عادَ إلى السّلطة. وهنا السّؤال: من سيكون الحاكم الفعليّ: السّوداني أو نوري المالكيّ؟ الواضح أنّ الأمور في العراق لا تسير على ما يرام.

واشنطن تل أبيب: خلافات خلف الأبواب المغلقة

من العراق نذهب إلى الداخل الفلسطيني – الإسرائيلي. هُناك حسم بنيامين نتانياهو ومعه حركة “الصهيونيّة الدّينيّة” الانتخابات أواخر عام 2022. والإدارة الأميركية “ليسَت في وارد الدّخول في اشتباكٍ علنيّ مع نتانياهو. لهذا أعلنَت أنّها ستدرس وتُقَوِّم الوضع السّياسي هُناك، مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة إسرائيل الدّاخليّة”. الأكيد أنّ “الخلافات بين تل أبيب وواشنطن ستُناقَش خلف الأبواب المُغلقة”.

يدعو شينكر إلى “الاعتراف بأن لا وجود لليسار في إسرائيل بعد اليوم. باتت السّياسة الدّاخليّة محصورة في التنافس بين اليمين ويمين الوسط. حصلَ العديد من الهجمات والأحداث التي دفعت النّاخبين الإسرائيليين إلى التوجّه نحو اليمين واختيار شخصيّات تُشبه إيتمار بن غفير، الذي اعتُقِلَ كثيراً، وكان ينتمي إلى مُنظّمة تصنّفها الولايات المُتحدة إرهابيّة”.

التحدّي الأوّل أمام نتانياهو هو التالي: “هل يبادر إلى رسم حدود لوزراء حكومته أم لا؟ وهل يكون نتانياهو الوجه المُعتدل في هذه الحكومة؟”.

خطر على اتّفاقات أبراهام

يعتبر مدير “برنامج السّياسة العربيّة” في “معهد واشنطن” أنّ “الإسرائيليّين يُصوّتون تاريخيّاً لليمين أو اليسار انطلاقاً من سؤال واحد يطرحونه على أنفسهم: هل يوجد شريك فلسطينيّ للسّلام؟ وبغضّ النّظر عمّا يعتقده البعض من أفكار عن نتانياهو، فهو تبوّأ منصب رئاسة الحكومة طوال مدّة وجود محمود عبّاس على رأس السّلطة الفلسطينيّة، لكنّ عباس الذي يبحث عن السّلام لم يقُم بأيّ خطوةٍ جدّيّة منذ مفاوضات كامب ديفيد”.

الجدير ذكره أنّ اتفاقيّات أبراهام وُقِّعَت أثناء تولّي نتانياهو رئاسة الوزراء. لذا “لا أعتقد أنّ كثيراً من القادة العرب لديهم مُشكلة مع نتانياهو. تماماً كما كان الحال أيّام رئيس الوزراء السّابق آرييل شارون”.

ويختم شينكر بالكشف عن أنّ التّحدّي يتّصل بصمود اتفاقيّات أبراهام: “كانت الإمارات قد طلبت في الاتفاق أن لا تضمّ إسرائيل أراضي فلسطينيّة. فلننظر كيف ستسير الأمور في حال اتّجهَت الحكومة الإسرائيليّة نحو تنفيذ خطط الضّمّ”.

 

محمد بركات – ابراهيم ريحان – أساس ميديا