بين التصويت المجدي والاستعراض

كانت الجلسة الأخيرة لمجلس النواب المخصّصة لانتخاب رئيس جمهورية جديد مهزلة. والمهزلة تعود الى هذا النمط من التصويت المتشرذم للعديد من الكتل والنواب المفترض أنهم في العمق يعارضون أن يفرض “حزب الله” رئيساً للجمهورية. ولعل أولى المهازل تصويت التغييريين أو بعضهم للدكتور عصام خليفة الذي نعتقد أنه أهم من منصب الرئاسة، وكل اللعبة السياسية. فالتصويت للدكتور خليفة هو من الناحية العملية تشتيت للأصوات في انتظار تسوية لا أكثر، بدلاً من أن تنصبّ الأصوات صوب مرشح سيادي إصلاحي يواجه مرشح “حزب الله”. ومن هنا يمكن القول إن إصرار التغييريين على هذا النمط من التصويت إنما يصب في نهاية الأمر في طاحونة “حزب الله ” وحلفائه. وكل المسرحيات التي تعرض على شاشات التلفزة حول خلافات ومشادات بين عدد من النواب ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إحدى الدعائم الأساسية لمرشح “حزب الله”، هي مجرد ضرب في الهواء.

بالنسبة الى إصرار فريق آخر على التلطي خلف ورقة تحمل تسمية “لبنان الجديد” نقول بكل بساطة هذا السلوك مكشوف. هؤلاء احتياطي نيابي لـ”حزب الله” سوف يُستخدمون في اللحظة المناسبة لانتخاب المرشح الذي يجري العمل على تعبيد الطريق أمام ترشيحه.
والمشكلة أن جماعة “لبنان الجديد” فئتان، الأولى تنتظر ساعة الصفر لكي تصبّ في طاحونة الحزب المشار إليه، والثانية تتحيّن الفرصة لبيع ورقتها في صندوقة الاقتراع. والفريقان يختبئان خلف عباءة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الحليف السني الرئيسي لـ”حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري وبقية المجموعة المالية المصرفية السياسية والأمنية في البلاد. لكن كل هذا بسيط أمام استظلال كل هؤلاء من كبيرهم الى صغيرهم غطاء “حزب الله. إذن نحن أمام حالة سوريالية يقيم فيها الحزب المشار إليه في جميع ضفاف المواقف المعلنة. فهو موجود في ضفة ٨ آذار وعند ضفاف بقايا ١٤ آذار والتغييريين. لذلك نسمع بين الفينة والأخرى من يقول إنه حين يحين الوقت المناسب سوف ينزل هؤلاء الحلفاء المعلنون والآخرون المستترون الى صندوقة الاقتراع لاختيار رئيس جديد للجمهورية يكون مرشح “حزب الله” وليس أي أحد آخر.

صحيح أن الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله يدعو الى عدم انتظار تسوية من الخارج، وأنه يدعو الى حوار حول الاستحقاق الرئاسي، غير أنه باستبعاده أي تسوية خارجية حول رئاسة الجمهورية ينطلق من هذا الحجم من التواطؤ معه الذي يحسب حسابه في العديد من البيئات الأخرى، فضلاً عن أنه يكتشف مرة جديدة كم أن معظم من يعارضونه مستعدون للقفز من مركب الى مركب، وجل ما يهمهم أن يلتحقوا بالقطار في لحظة الاختيار. وهو لا يريد ان يكون للموقف العربي أي دور في تحديد اسم الرئيس الجديد، لأنه يرفض التنازل عن مكاسبه التاريخية، وآخرها أنه وضع مفتاح قصر بعبدا في جيبه. أما الحوار فمعروف أنه حوار لفرض إملاءات “حزب الله” الرئاسية. بمعنى آخر: تعالوا الى حوار لتقبلوا بمرشح الحزب بحفظ ماء الوجه، لا أكثر !

إن الاستعراضات كالاعتصام في مجلس النواب، لا تقلل من حجم الخفة في تشتيت الأصوات والإسهام بإيصال مرشح “حزب الله” بسهولة أكبر، كما أن سلوك المتلوّنين هنا وهناك الذين يقترعون إما لأسماء ليست جزءاً من التنافس، أو هي تسميات في انتظار اللحظة المناسبة، ينمّان عن حجم الاستسلام والتواطؤ المخيفين!

 

 

علي حمادة – النهار