هل يبقى لبنان بلداً واحداً؟

هذا هو السؤال المطروح على الدوام منذ ان شعرتْ لا بل منذ ان لمستْ شرائح واسعة من الشعب اللبناني طغيان منطق القوة في الحياة الوطنية المشتركة. ليس غريبا ان نسمع في كل انحاء لبنان كلاما صريحا يعكس فقدانا للتمسك بالحياة المشتركة بين المكونات الطائفية في البلاد. ولعل ثقل الطغيان الذي نشعر به في كل شاردة وواردة في الحياة اليومية، أو في الحياة السياسية، في معادلة الحقوق والواجبات، ما يدفع كثيرين الى فقدان إيمانهم باستمرار وحدة البلد. هذا ليس تفصيلا لان معادلة القوة التي تتحكم بالبلاد تغذّي باستمرار هذا الشعور بأنه لم يعد ممكنا العيش مع الفريق الذي يحتكم الى القوة والسلاح والقهر وممارسة العنف بوجه اللبنانيين، تارة بحجة ما يسمى “مقاومة” وطورا بحجة المحافظة على وحدة وطنية صارت بحالة يرثى لها. ومن الواضح ان تحلل الدولة المركزية اللبنانية، وانهيار المؤسسات، واستتباع تلك التي لم تنهر بعد كالمؤسسات الأمنية، تعزز من الميل الشعبي الى التقوقع، والانطواء على الذات، والانسحاب من الحياة الاجتماعية والوطنية المشتركة شيئا فشيئا. وقد يكون هذا الهجوم المتواصل على نمط العيش اللبناني التاريخي الذي عشناه تحت عناوين أيديولوجية مستنداً الى قراءة خاصة بالدين ما يدفع ملايين اللبنانيين الى الإعلان صراحة عن انهم لا يريدون العيش مع فئة بعينها لانها تهدد نمط عيشهم، وتفرض عليهم خياراتها، وتمارس بحقّ الغالبية نوعا من “الاستكبار”. وهذا ما يلاحَظ بشكل دائم في أسلوب التعامل مع منطق القانون والحقوق والواجبات في البلد. ليس صحيحا ان اللبنانيين متساوون امام القانون. هذه كذبة العصر التي يعرفها الجميع. ثمة شرائح غير معنية بالقانون، وبمعادلة الحقوق والواجبات. وثمة مناطق بأمّها وأبيها خارجة عن القانون، وعن سلطة الدولة التي يفترض انها ساهرة على تطبيق القانون واخضاع جميع اللبنانيين ومن يقطن هذه الأرض اللبنانية لأحكامها. ولكن لا حياة لمن تنادي. من هنا يمكن القول ان تنامي الشعور بعدم المساواة امام القانون، وامام السلطات المولجة تنفيذ احكامه مؤداه في النهاية تفكيك وحدة البلد، ودفع اليائسين من هذه الحالة الشاذة الى التفكير بحياة مختلفة، وبخيارات أخرى مبنية على التقوقع والانفصال عن الآخر. هذا الآخر الذي يتجبّر على شركائه في الوطن، ويصنف بعضا من أسوأ رموزه انصاف آلهة سيجد نفسه في مستقبل ليس ببعيد امام حالة من الرفض الشامل لهذا النوع من التعسف والظلم.

على مَن يستقوي اليوم على بقية اللبنانيين بالقوة، والعنف، والإرهاب والترهيب، ان يدرك ان من يجاريه الآن سيكون اول المنقلبين عليه غداً. فما بُني على القهر لن يدوم الى الابد، حتى لو بدا ان كثيرين يستسلمون او يتواطأون مع الحالة الشاذة.

نقول ما تقدم لأننا نلمس يوما بعد يوم كلاما شعبيا “كبيرا” عابرا للطوائف والمناطق بات يعبّر لا عن تبرّم، او غضب فحسب، بل عن رغبة في قطع ما تبقى من خيوط تربط بين شرائح المجتمع اللبناني، علما ان معظم الكلام موجّه باستمرار شطر من اختاروا قهر اللبنانيين نهجاً والتعامل معهم كبشر فوق البشر سلوكاً. هذه وصفة لانفجار كبير آتٍ لا محالة.

 

علي حمادة – النهار