هديّة تليق بـ”ثلاثي” الكهرباء

لا أدري كيف يسمع اللبنانيون أنّ غرامات بواخر النفط المتوقّفة في عرض البحر ستصل بعد أيام قليلة الى مليون دولار فيما يبقون ملتزمين الصمت أو متأففين أو متذمرين أو مسلِّمين أمرهم الى الله والأقدار.

لولا العيب والحياء وأصول المهنة وقانون المطبوعات لضمَّنتُ مقالتي هذه أشنع الأوصاف في حقّ ثلاثة أشخاص اليوم، ولن أعمِّم وأجهِّل الفاعل باتهام “المنظومة” الفاسدة التي يتبرأ منها زوراً كلّ أركان النظام ومفاتيح الهيمنة و”طرابيش” المافيا التي مصت دماء الدولة والناس.

“الفرسان الثلاثة” مسؤولون مباشرة عن مليون دولار غرامات ستؤخذ أيها المواطنون المساكين من الخزينة العامة بالطول أو بالعرض، أي من جيوبكم ومن قوت ابنائكم ومستوى معيشتهم وتعليمهم، طازجة أم ودائع بائتة. لا لعبَ مع شركات النفط، “أوادمُها” القلائل أم نصَّابوها الكثر شركاءُ النافذين المرتشين. وكلّ ذلك لأن نكايات أهل السلطة التنفيذية ومن وراءهم أكبر من واجب الخروج من العتمة بضع ساعات، وأهمّ من ضرورة إعطاء نموذج ناجح في الجباية ليتسهل قرض البنك الدولي لخط الغاز المصري الذي لم تعرقله “مؤامرات” الأميركان ولا الأمبريالية العالمية بل فريق السلطة الرافض أي إصلاح يمنع الغنائم والتربح من المال العام.

سأعود الى “الثلاثة”. لكن أيها الراسخون في صمتكم والمخدَّرون بالانتخابات النيابية وبأمل أن يأتينا رئيس “بني آدم” يمحو آثار “العهد القوي” ويؤسس لـ”الجمهورية الفاضلة”، تأمّلوا مشهد أمس فحسب فيما كانت كل باخرة “تمرِّك” علينا 18 ألف دولار بانتظار توافق حفنة سياسيين على توقيع مرسوم أو عقد جلسة للحكومة: أهالي ضحايا 4 آب يحاولون اقتحام قصر العدل ويكسرون بعض نوافذه بالحجارة احتجاجاً على تعطيل التحقيق. اساتذة التعليم الرسمي ومتعاقدوه يُضربون مطالبين بحد أدنى من كرامة الأجر فيما مئات آلاف التلاميذ ينتظرون أن تمنَّ الحكومة على معلميهم بمرسوم زيادات ولو لحسوا مبرد التضخم. عسكري يطلق النار على مصرف في صيدا. ومودع يحاول انتزاع جزء من وديعته المنهوبة في النبطية لمعالجة ولديه. وأخبار أخرى تحكي على مدار النهار عن فقير ينتظر حصة غذاء أو مريض يتشبث بحبال محسن كريم.

وإن اعتدنا ما ذكرناه سابقاً فلن ننسى “صيرفة”، أي “جوهرة تاج” الحاكم المتهم بالتبييض، وأسفرت فضائلها حتى الآن عن تبديد ملايين ذهبت الى جيوب مصرفيين أو تجار كبار واكتفى منها صغار المودعين والموظفين بالفتات ليدفع كلّ الناس مجدداً ثمن ارتفاع سعر الدولار.

لا تساوي الخسارات العادية شيئاً مقارنةً بفجوة 93 ملياراً تكبّدها مصرف لبنان، لكنها تعني كثيراً لـ 80 بالمئة من شعبنا الذي انحدر تحت خطّ الفقر. ميقاتي في برج “زيتونة باي”، لكن بيروت ثاني أسوأ مدينة حسب معايير مؤسسة بحث دولية محترمة. انهيار وفوضى وفقر تصل حد سرقة أغطية فتحات المجارير والنكش في النفايات. كل ذلك نعرفه ونفهمه لكننا لن نهضم خسارة مليون دولار لأن ثلاثة أشخاص نفذوا مآرب أنفسهم أو مشغِّليهم من الزعماء. ولأن المعنيين، رئيس الحكومة ووزيري الطاقة والمال، هم فوق القصاص العادل سجناً وتعويضاً، للأسباب المعروفة، فإنني أدعو كل واحد منهم لقدح زناد ذاكرته مستعيداً في قرارة نفسه أقذع الشتائم التي سمعها في أوسخ شارع مذ شبَّ وحتى شاب، وليعتبرها هديّة مني ومن سائر اللبنانيين تليق بفِعلته وبمستواه مقابل تغريمنا المليون دولار!

 

بشارة شربل – نداء الوطن