ملف لبنان ليس عند عبد اللهيان

زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد تكون في سياق رغبة طهران في تجميع اوراقها الإقليمية في مرحلة تتجه فيها كل الأطراف الاقليمية الى تجميعها. فمن الاجتماع التشاوري للدول الأعضاء في “منتدى النقب” في ابو ظبي، الى الحركة المتصاعدة على مسار العلاقات بين تركيا والنظام السوري بوساطة واضحة المعالم من روسيا، وصولا الى “الطحشة” العربية وإنْ خجولة في اتجاه العراق والتي تجلت من خلالها الحساسية الإيرانية المفرطة التي تفجرت إزاء استخدام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الخارج من صفوف كتلة “الاطار التنسيقي” المرتبطة ارتباطا وثيقا بـ”فيلق القدس ” والاجندة الإيرانية، مصطلح “الخليج العربي” خلال افتتاح بطولة الخليج لكرة القدم في البصرة، وأخيرا وليس آخرا تعثّر “حزب الله” على مستوى الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وفشله في فرض مرشحه للرئاسة على غرار ما حصل عام 2016. واذا كان عبد اللهيان المنتمي أصلا الى دوائر “الحرس الثوري” يزور لبنان حاملا عددا من العناوين الفضفاضة في خطابه، غير ان اللبنانيين يعرفون ان ملف لبنان ليس في جعبة وزير الخارجية الإيراني، ولا في جعبة الحكومة، ولا حتى رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي. فثمة فارق كبير في ان تكون الحكومة منبثقة من الجناح الاصولي المتشدد في النظام، وهو المؤلف من تحالف رجال الدين المتطرفين والعسكر، فإن ملف لبنان لم يخرج من “تحت إبط” مرجعية “الحرس الثوري” والمرشد علي خامنئي شخصيا. ومعلوم ان قيادة “فيلق القدس” هي المولجة بمتابعة الملفات الإقليمية. فالفيلق المذكور هو الفرع الإقليمي لـ”الحرس الثوري”، وقد نما وصار اطارا كبيرا وصاحب دور كبير وواسع في اطار المشروع الإقليمي للنظام الإيراني.

اذاً يمكن القول ان زيارة عبد اللهيان للبنان وان تضمنت إشارات حول الرئاسة لا أهمية لها من هذه الزاوية، انما قد يكون المراد منها توجيه رسائل الى المحيط. كما ان موضوع الكهرباء وما يحكى عن مساعدة إيرانية لحلها، يبقى نظريا. فطهران ليست في وارد منح لبنان هبات من مادة المازوت لتشغيل معامل الكهرباء اللبنانية، ويستحيل ان تدار المسألة على المستوى التجاري بفعل العقوبات الأميركية على قطاع النفط الإيراني. اكثر من ذلك، من الصعب بمكان ان تتورط طهران في إقامة نظام هبات من مشتقات النفط للبنان في وقت يرفض الرأي العام الإيراني الغاضب بسبب تبديد النظام مئات مليارات الدولارات من الثروة الوطنية على السلاح، والتسليح، والميليشيات في الإقليم وخارجه، وتموّل أحزابا وقوى خارجية فيما الشعب يعاني من ازمة اقتصادية خانقة، هذا إضافة الى موجة الاحتجاجات الكبيرة التي اشتعلت منذ الخريف الماضي على خلفية قتل “شرطة الاخلاق” الفتاة مهسا اميني، وتحوّلها الى ازمة شعب بمواجهة نظام ديكتاتوري دموي.

استنتاجا، لا يعوّل الكثير على زيارة وزير الخارجية الإيراني، لكن يجب التوقف عند نقطة تثير حساسية شرائح واسعة من الشعب اللبناني. فإصرار عبد اللهيان على وصف لبنان بـ”الشقيق” اكثر من مرة في تصريحاته مثير للاستغراب. فإيران ليست دولة شقيقة، ولا صديقة. إنها في احسن الأحوال نصف صديقة لفئة لبنانية مغرّر بها.

 

 

علي حمادة – النهار