ما بين جنبلاط الأب وجنبلاط الابن، تنسيق وتبادل أدوار؟

منذ ان اعلن زعيم المختارة انتقال الزعامة الجنبلاطية الى نجله تيمور قبل ستة اعوام، وكرسها قبيل الانتخابات النيابية في ايار من العام الماضي، لم تتوقف التساؤلات في الوسطين السياسي والإعلامي حول ما اذا كان هذا القرار يوازي او يعني اعتزال جنبلاط الأب العمل السياسي والانتقال الى الصفوف الخلفية، بما يتيح للرجل خلق مساحة كافية امام الزعيم الشاب لتولي القيادة والزعامة على “البارد” منجهة، خلافاً لما كانت عليه حال والده، قبل اكثر من اربعة عقود، فضلًا عما يوفره الانتقال الهادئ من فرصة لتقديم الخبرة والمشورة في الشأنين المتصلين بالزعامة من جهة والعمل السياسي من جهة اخرى.

ما عزز هذه التساؤلات ان وليد جنبلاط الذي خرج من الحياة البرلمانية، مقدماً مقعده لنجله تيمور، تمامًاكما في الزعامة عندما البسه الكوفية الفلسطينية عام ٢٠١٧، لم يخرج تمامًا من الحياة السياسية، ولاسيما في ما يتصل بالملفات الساخنة. ولهذا الامر اسبابه. ليس لعدم نضوج تيمور في العمل السياسي كما حلا لبعض الاوساط السياسية المعارضة للبيت الجنبلاطي الترويج له، وقد اثبت الرجل خلال الفترةالقصيرة من تعاطيه العمل السياسي، رصانة ومقدرة على مقاربة الملفات والتحديات المطروحة، وليس بسبب خلاف بين الأب ونجله كما ذهبت تلك الاوساط ايضاً في تسويقها، وان كانت التباينات في بعض الملفات قد برزت الى العلن، الا انها لم تصل الى حد الخلاف كما يقول المحيطون بالرجلين. وحتماً ليس في اطار تبادل ادوار او تنسيق كما يتراءى لبعض آخر يسعى الى فهم العلاقة القائمة بينهما.

الاكيد ان قرار جنبلاط في تسليم تيمور القيادة نهائي ولا تراجع عنه، ولا لبس فيه. والاكيد، كما يتلمس زواره انه يقف وراء نجله في كل خطواته، ولكن الاكيد في المقابل ايضاً ان هناك الاختلاف بين جيلين لاقواسم مشتركة بينهما يفرض نفسه على مقاربة ونظرة كل منهما الى الامور المطروحة.

هذا الامر بدا واضحًا في ملفي الرئاسة والحكومة. حيث يظهر تيمور من خارج منطق المنظومة التقليدية. وضع الرجل لنفسه سقوفاً عالية في خطابه الانتخابي. ويرفض التراجع عنها، رغم ادراكه ان الظروف لا تساعده على الالتزام بها، أقله امام ناخبيه.

يختلف تيمور عن والده في هذه المسألة اختلاف جيل شاب عن جيل مخضرم عايش وواكب الازمات اللبنانية بكل تناقضاتها وتشعباتها الداخلية والاقليمية والدولية. وٌصف الاب دوما بأنه السياسي الوحيدالقادر على قراءة المعطيات والتكيف اوالتموضع معها. نقطة قوة اكسبته القدرة على التفاوض وعلى الانتقال من ضفة الى اخرى من دون أي خجل او ارباك. فلكل استدارة او تموضع ما يبرره لدى الزعيم الدرزي الذي يحمل هاجس طائفته في الدرجة الاولى، وقبل أي أمر آخر، ويبرر له ادواره لدى قاعدته . عصارة خبرته تتيح له التمسك بمبدأ تدوير الزوايا واللجوء الى الحلول التسووية التي طالماحكمت لبنان. فبالنسبة الى جنبلاط، واضح ان لبنان لا يُحكم الا بالتفاهمات. يدرك ايضاً ان التنازل لايستدرج الا تنازلاً وفق منطق الفريق الخصم الذي يعتبر الحوار مدخلًا لتحقيق مكاسب لا تتوقف. هذا مايحصل تماما. اليوم في الملف الرئاسي مع “حزب الله” أو مع “التيار الوطني الحر” ، ما يترك الامور في مربعها الأول.
قد يكون هذا المنطق هو الذي دفع جنبلاط الى تولي ملف الرئاسة وابعاد كأسه عن تيمور الذي يدور في فلك سيادي بالكامل،. يرفض أي تسويات على حساب هذا الفلك. كان هذا سقف خطابه الانتخابي ولايزال هذا سقفه السياسي.

أي قرار في اسم رئيس الجمهورية لن يكون قراراً محلياً او يمسك به افرقاء محليون. يتمسك تيمور بالخيارالرئاسي الذي اجمعت عليه قوى المعارضة، فيما يعي جنبلاط ان الوصول الى اختيار الرئيس لن يتم الابتفاهم اقليمي دولي يؤثر على الحزب الذي يحتجز الاستحقاق الرئاسي في مربعه الاول، بما معناه لارئيس لا يوافق عليه حليفاه المسيحيان، سليمان فرنجية وجبران باسيل. بهذا المعنى، يصبح مفهوماً لماذايتولى جنبلاط نفسه ملف الرئاسة. اذ ان أي تسوية محتملة في هذا الشأن لن يقوم بها الا هو ولا سيما ان طرف التسوية على الضفة الثانية لن يكون الا الحليف التقليدي نبيه بري.

لا يوافق جنبلاط على هذه القراءة، مؤكداً ان ثمة توافقًا بينه وبين تيمور والنواب في اللقاء الديموقراطي حول هذا الموضوع لجهة الاستمرار في دعم المرشح النائب ميشال معوض. لكنه لا يغفل الاشارة الى اهمية الحوار وصولًا الى التسوية التي توصل مرشحًا الى بعبدا، لأن الفراغ بالنسبة اليه مرفوض ومؤذ ولا يمكن الاستمرار فيه. من هنا، يتمسك جنبلاط بضرورة العودة الى الحوار، خصوصاً وان الرهانات على الخارج، كما هي الحال بالنسبة الى الآمال المعلقة على اجتماع باريس، ليست في محلها. فالخارج غير مهتم والتوافق الداخلي ضروري لوضع حد للفراغ.

 

سابين عويس – النهار