محمد ناصرالدين
هي السياسة، لا أطراف لها ولا رأس، كرة مستديرة تتدحرج نحو مصالحها، سالكة طرق مسطحة آمنة.
في تالي الأزمة السورية، تكشّف غُبار المعركة، والصفوف التي تقابلت وجهًا لوجه قبل اصطدام السيف بالدم، هاهي تتشارك السجاد الأحمر، والقبضات التي تشابكت، تتعانق بحرارة، كل ذلك لأن السياسة لا دين لها!
وكأن بلسان الشام يقول: “و تلك النوافذ التي ادخلت رياحاً متسخة ساخنة، ما نفع نسائمها ورماد المدافع غطى الأثاث والجثث، تباً لكل سياسة حقيرة، وقود نيراها الأطفال والدموع والجثث!”
ببشاشة العاشق بعد الغياب، وبضحكات الناجي من الشوق، تقابل بشار الأسد ووزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، في قلب الشام وعلى أبواب قصر رئيسها الذي قاتلوه حتى عانقوه!
قنوات الدبلوماسية أصبحت سالكة بعد انقطاع لسنوات خلال الأزمة السورية، ولكل محب للسلام الحق بالسؤال، إن كان الأسد جدير باللقاء والحوار، لماذا هذا الدمار كله؟!
ليست الحالة الإماراتية حالة شاذة، فالقارئ في ملفات الخارجيات العربية والإقليمية يلتمس فتورة الموقف من نظام الأسد، بعضهم سراً وبعضهم علانية!
ففي تقارير واردة من الشمال، عبرت مصادر صحفية مقربة من حزب العدالة والتنمية، رغبة السيد رجب طيب اردوغان بالخروج من دوامة النزوح السوري، بعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد التي استضافت على أقل تقدير ما يقارب ٣ مليون نازح سوري. ولهذا يسعى اردوغان إعادة قنوات تواصله مع الأسد أملاً بتكرار الوِد الذي عاشته البلدين الجارين في سنوات ما قبل الربيع العربي .
الأمر ليس بتلك البساطة، فالشمال السوري ما يزال يعيش الهدوء الحذر بين جماعات تدعمها انقرة واخرى تتقاسم الجبهات مع الجيش النظامي السوري وعناصر من حزب الله، على غرار القوات الكردية التي تربطها بانقرة وجيشها عداوة ربما ابدية!
والتقارير نفسها اشارت الى تشكيل لجان مشتركة لهدم الجليد والتمهيد للقاء بين اردوغان والأسد على الاقل في القريب ليس العاجل.
خيارات اردوغان خلال الازمة السورية ،اعتبرها الأسد خيانة وطعنة في الظهر ،فنظام الأسد خاب ظنه، بعد ان اعتقد لبرهة ان سنين الود الوردية مع نظام انقرة ولاسيما الغاء تأشيرة الدخول بين البلدين كعلامة للثقة العمياء المتبادلة، قد تحمي ظهره في ليالي الشدة!
اردوغان الذي استعمل ورقة اللجوء السوري ضد الاسد، فالاسد نفسه لن يفوت الفرصة للانتقام بالسلاح نفسه، خصوصا ان تركيا تتسابق الزمن لتجنب أزمة اقتصادية ليست ببعيدة .
ويبقى اعتقادنا أن الوقت وحده كفيل بِنَحت صخور اللاثقة، وأن في لغة المصالح، سيحاول الاسد وفريقه ابتزاز هشاشة الموقف التركي المهرول للحل! وبن نهيان حين حط في دمشق، فتح المجال امام هبوط آمن آخر، لرُسل آخرين!