علامَ تراهن قوى السلطة للاستمرار في الانهيار؟

على رغم كل التحذيرات الدولية من الانهيار والمزيد منه، والاستمرار في الانزلاق الى تفكك الدولة ومؤسساتها، علام يراهن أهل السلطة فيما سفراء كثر كانوا تنبّأوا بمحدودية استفادة الزعماء والسياسيين من الدولة على أنها بقرة حلوب لا تنتهي عطاءاتها؟

يعتقد بعض السياسيين وفقاً لما يصل الى ديبلوماسيين مهتمين بأن القيمة المستقبلية لا تزال قويّة بالنسبة الى بلد مثل لبنان لأن مشكلته قد صغرت على رغم ما يواجهه اقتصادياً ومالياً، وأن هناك ظروفاً إقليمية يمكن أن يستفيد منها لأن لدى الاقتصاد قدرة على النهوض. وينسحب ذلك نسبياً أيضاً على القيمة العقارية التي لا تزال معقولة نسبياً. وبالنسبة الى انهيار العملات في بعض دول المنطقة وصولاً أخيراً الى مصر وليس فقط سوريا أو العراق وحتى إيران باعتبار أن هذه الدول جميعها تتأثر بمفاعيل استتباعها للمحور الإيراني ما عدا مصر، فإن ذلك يخفف من وطأة المسؤولية السياسية التي ينزعها عنها أطراف السلطة ككل ويرمونها على عوامل أخرى تعود الى الماضي لا إلى سوء إدارة وفساد وإفلاس مقصود كما في إعلان رفض التزام تسديد سندات اليوروبوندز قبل أكثر من عامين. وتالياً لا يزال أهل السلطة ينامون على حرير وجود إمكانات لحل الأزمة فيما لا يخفون عملانياً سعيهم الى تذويب مسؤولية الدولة وكذلك المصارف والمصرف المركزي في إهدار أموال المودعين.

ولا يخفي هؤلاء أمام الديبلوماسيين أنهم ليسوا في صدد إعادة بناء الاقتصاد أو إعادة الأمور الى ما كانت عليه، بل يعملون لبناء اقتصاد آخر يتناسب مع الواقع الجديد. وينقل هؤلاء تفاؤلهم إزاء الاقتصاد من حيث إنه وإن كان الاقتصاد الداخلي مصاباً ومتعثراً بقوة، فإن الاقتصاد الخارجي ليس كذلك. وهؤلاء يعوّلون على أنه إذا استطاع المغتربون مد لبنان بما يوازي 7 مليارات دولار أخيراً، فلا شيء يمنع أن يصل هذا المبلغ الى 14 مليار دولار. وإذا استطاع لبنان القيام بالحد الادنى ممّا هو مطلوب منه سياسياً وعلى صعيد الإصلاحات ومنع الفساد، فمن المرجح أن يستفيد من برامج استثمار موجودة لدى دول الخليج العربي ويمكن أن تخلق فرص عمل هائلة وتخلق زخماً جديداً في الاقتصاد اللبناني. وتبعاً لذلك، فإن لبنان لا يحتاج الى مساعدات بمقدار ما هو في حاجة الى دعم خارجي كبرت الحاجة إليه أخيراً أكثر فأكثر، والحاجة الى أن يشبك اقتصاده مع محيطه ومع العالم ويستعيد الثقة الداخلية والخارجية من أجل أن يؤمن هذه العناصر. فالثغرة الأساسية التي لا يكف الديبلوماسيون والعواصم المؤثرة عن تكرارها على مسامع أهل السلطة هي وجوب القيام بهذه الخطوات الضرورية والملحة جنباً الى جنب مع إعادة لبنان صياغة دوره مع الدول العربية ومحيطه الإقليمي من أجل أن يبدأ مسار التعافي. وهذا كله رهن قواه السياسية التي تمنع ذلك وتحول دونه لحساباتها ومصالحها الشخصية والسياسية.

ومع التعويل على ما قد يأتي به التنقيب عن الغاز في البحر بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل، تضع القوى السياسية على الطاولة آمالا أو تلوّح بها للبنانيين على قاعدة أنها الجزرة المأمولة بعد كل الفقر أو عملية الإفقار الجارية راهناً. وهو ما يدفع هؤلاء الديبلوماسيين إلى التذكير بأنه إذا تأكد وجود غاز أو نفط، فإنه لا يحل المشكلة التي تزداد تفاقماً فنتائج التنقيب لن تبدأ بالظهور قبل 7 أو 8 سنوات في أحسن الأحوال. وهذا لا يحل الأزمة الراهنة ولا يشتري في الوقت نفسه ضمانات أو أموالاً على قاعدة أن لبنان سيحصد ثروة لاحقاً. ويعود ذلك الى أن ذلك في حال حصوله، فسيكون بأسعار مرتفعة جداً ولا أموال لدى لبنان من أجل الاستدانة مسبقاً ولأنه في السنوات الثلاث الاولى تحصل الاستدانة بناءً على ما سيأتي من عائدات قليلة في السنة الخامسة أو السابعة في الوقت الذي لن يكون ممكناً معرفة أسعار الغاز خلال هذه السنوات ولا إن كانت الكميات التي ستُكتشف يمكن بيعها أم لا. والضبابية التي تحيط بهذا الموضوع يصر ديبلوماسيون على إفهامها للسياسيين وعلى عدم بيعها للبنانيين من أجل عدم البناء على أوهام أو الإغراق في هدر أموال في حال توافرها عبر أي سبيل.

وهناك أيضاً الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وإن كان لا يسير راهناً في اتجاه وضع شروطه موضع التنفيذ كما تعهد الرؤساء الثلاثة، مع ميشال عون حين كان لا يزال في قصر بعبدا، فإن أهل السلطة لم يعلنوا التخلي عنه حتى الآن كما لو أنهم يبقونه في إطار الاحتياط في انتظار أعجوبة ما تحل مع انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة، فإما يسيرون به أو يتخلون عنه علماً بأن الخيارات ضيقة امامهم، وفي وقت سعت فيه إيران وكذلك سوريا ولا تزالان لبرامج مع الصندوق دعماً لاقتصاد كل منهما. وهذه الإمكانات كلها بمثابة رهينة لدى قوى السلطة في انتظار أن تحقق أهدافها قبل الإفراج عنها علماً بأن رئيساً لا يوحي بالثقة والاطمئنان وحكومة محاصصة مماثلة لتلك الحالية قد يعوقان كل مسار الثقة الذي يشكل الركيزة الأساس للبلد. لذلك يرى هؤلاء أن هذا الكلام على صحة الكثير منه يفقد قيمة مضمونه مع مرور الوقت وكذلك الرهان على بقاء كل العناصر التي تمت الاشارة إليها على حالها من دون تغيير.

 

روزانا بومنصف – النهار