جعجع يستبق “الحزب”

يعمل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على استباق ما بات معروفاً في سلوك «حزب الله» التعطيلي. الفعل الاستباقي يعني رفض العمل بقواعد اللعبة التي يضعها وينفّذها «حزب الله»، والتي ترتكز على إنهاك الجميع للقبول برئيس تابع، يكون عهده استمراراً لعهد الرئيس السابق ميشال عون، الذي شهد كوارث يعجز التاريخ عن حصرها.

ما أعلنه جعجع في مقابلته عبر «الجديد»، يأتي ضمن هذا السياق، وما فُسّر من كلامه جنوحاً نحو اتهامه بالفدرالية، لم يكن مطابقاً للموقف الحقيقي، الذي يريد منه الضغط بكل الوسائل لإفهام «الحزب» أنّ خيار التعطيل مرفوض، وأنّ خيار انتخاب رئيس تابع مرفوض أيضاً، وأنّ أدوات مقاومة تعطيل «حزب الله» موجودة، وستكون صالحة للاستعمال على عكس ما جرى في العام 2016.

إنه جرس إنذار أراده رئيس «القوات» مدخلاً إلى مرحلة جديدة، ترفض سلاح الاستنزاف الذي يعتمده «الحزب»، وهو استنزاف لا يصيب السياسة، إنّما يشرب من دم ما تبقى من اقتصاد وقدرة لدى اللبنانيين على الاستمرار.

يصر «حزب الله» إلى الآن على اعتبار سليمان فرنجية مرشحه الرئاسي، ويأمل أن يُبقي التيار العوني على الورقة البيضاء التي أصبحت مرادفاً للانتقال إلى التصويت لفرنجية، متى استطاع «الحزب» ترتيب بيته التحالفي. أمّا إذا لم يعُد باسيل إلى بيت الطاعة، فسيكون خيار فرنجية قد أصبح أبعد من الواقع، وإذا تجرّأ باسيل وسمّت كتلته مرشحاً، فسيكون ذلك قضاء على ترشيح فرنجية، لكن من المرجح أن يبقى باسيل خوفاً من «الحزب» في منطقة الورقة البيضاء، خشية من التأديب.

على ضفاف هذا الإرباك الذي يواجهه «الحزب»، يعمل جعجع على إيصال رسالة بصفة الإنذار، لها بُعدان: لن نقبل بمرشح «حزب الله» رئيساً، ولن نقبل بسنتين ونصف من التعطيل كما حصل قبل انتخاب عون، والخيارات بيدنا كثيرة، ونفصح عنها بعد التشاور مع حلفائنا في الوقت المناسب.

قبل جلسة التاسع عشر من الحالي، ينضج موقف المعارضة أكثر فأكثر، ويتجه إلى تبني مشروع مواجهة سياسية مع التعطيل المتعمّد الذي ينتهجه «حزب الله». ما قاله الدكتور جعجع يتناغم مع نقاش داخل المعارضة وقواها يتجه إلى تبني خطة مواجهة مع «الحزب» لفرض انتخاب الرئيس. هذا النقاش دار في «كتلة تجدد» التي منها ترشّح ميشال معوض، والتي تستمر في تبني ترشيحه مع قوى المعارضة، ولكن بالتزامن مع تظهير شكل المواجهة مع مشروع التعطيل.

كما دار هذا النقاش في التواصل الذي جرى مع حزب «الكتائب» ونواب «الاعتدال» ونواب «التغيير»، وسط رفض جماعي للبقاء في مقاعد المتفرجين على مشهد الجلسات الصورية التي تُعقد في مجلس النواب، اذ لم يعد من المقبول اللعب وفق القواعد التي يضعها «حزب الله»، والتي ستؤدي إلى إدامة الفراغ وفرض أمر واقع رئاسي على الجميع.

قال سمير جعجع كلمتيْن في مقابلته التلفزيونية: لن نقبل برئيس لـ»حزب الله» ولن نقبل أن يطيل «حزب الله» أمد الفراغ، والباقي في التوقيت المناسب.

 

أسعد بشارة – نداء الوطن