لا لهكذا حوار

قد يكون صادماً أن يرفض أي شخص أو طرف سياسي الجلوس الى الطاولة وتجاذب أطراف الحديث، إقناع الخصم، الاقتناع بالرأي المخالف، أو الوصول الى نقطة وسط تنهي الخلاف، لكن وضع حدّ لهذا العبث السياسي المفضي حتماً الى مزيد من الاهتلاك صار واجباً في التجربة اللبنانية.

حوار “الكتائب” مع “حزب الله” المنفي، ثم المُثبت على لسان من نفاه، ليس سوى “حرث في الماء” يضاف الى فشل المحاولات كلها. حجم “الكتائب” لا يؤهلها أصلاً لتكون قناة وازنة لحوار شامل، وصدقية “حزب الله” لا تشجع على اعتباره جدياً بعدما رسب مرات ومرات في اختبار الطاولات واللجان.

حان وقت وضع حد لمهزلة التشاطر والجرِّ الى ملاعب إضاعة الوقت. الحوار المزعوم ليس سوى حلقة من الدائرة الجهنمية التي تحاصر اللبنانيين. يتحدثون عن واقعية فتح حوار حول “استراتيجية دفاع”، أو ضرورة التوصل الى رئيس “توافقي” ميزته أن “لا يطعن ظهر المقاومة”. ثم يأتيك حديث “الصفقة المتكاملة” التي يحتاج الوصول إليها وقتاً مفتوحاً، فيما يغرق الناس في الطرقات، والفقراء محرومون من الإستشفاء، والنهب مفتوح في التزامات التراضي، ورخص الاستيراد… إلخ.

أكاذيب بأكاذيب. من حوار “الكابيتال كونترول” في البرلمان الذي لو أُقر قبل ثلاث سنوات لوفَّر خمسة وعشرين ملياراً من أموال المودعين التي هدرت على دعوم وتهريب وفساد، الى استسهال فرض الضرائب المباشرة على الرواتب والموظفين المستضعفين، في وقت لا يتردد سعادة الشامي نائب رئيس مجلس الوزراء في القول ان خطته العظيمة للتعافي شطبت 60 ملياراً من أموال الناس، ولا يجرؤ وزير على إعادة طرح مسألة الأملاك البحرية أو التعديات على المشاعات، ويخشى وزير الطاقة الحديث عن عدالة الجبايات، الى سائر أنواع التقصير المؤدية الى الإحباط والتي – بعدما ارتحنا من “العهد القوي”- جعلتنا نحتمل حكومةً رئيسُها ملياردير “فقير الى الله” استدان من “الإسكان” ويترك السراي الحكومي بلا زجاج منذ “جريمة النيترات”، ورئيسَ برلمان يختبر مهارات عقد جلسات عامة في غياب رئيس للجمهورية بفتح ملف “وزراء الاتصالات” فيما فضائح “المجالس” وارتكابات شرطة مجلس النواب في حق ثوار 17 تشرين فوق المحاسبة والشبهات.

الحوار ثم الحوار. يريدونه دعامة متجددة للدائرة المقفلة التي يسيِّرها متحكمٌ بالسلاح يفرض شروطه في كل الخيارات، وحاكمٌ للمصرف المركزي يطمئننا بصورة لئيمة الى أنه لم يسرق الذهب حتى الآن. الرئيس الذي يريدونه نتيجة للحوار لن يكسر حلقة مافيا المال ولا سطوة السلاح. يريدونه تمديداً لحكم المنظومة الفاسدة التي ثار عليها اللبنانيون ليكسبوا به بعض الصدقية بحجة الانفتاح، فتأتي به طهران ويراهنون على أن تسانده الرياض بالتأييد والمال.

لا حوار مجدٍ إذا لم يكن شرطه المسبق التسليم بحق الدولة في احتكار السلاح والإقرار بأن سقف العمل السياسي هو التداول السلمي للسلطة تحت سقف القانون والدستور واستقلالية القضاء. غير ذلك فخٌ صار لزاماً تفاديه، بل التصدي المفتوح للذين ينصبونه، وفي كل اتجاه.

 

 

بشارة شربل – نداء الوطن