حوار الاستحقاق في اتجاه واحد

في نهاية جلسة مجلس النواب الأخيرة المخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، عاد الرئيس نبيه بري الى طرح موضوع الحوار حول الاستحقاق الرئاسي. الحوار الذي قصده رئيس مجلس النواب وأحد قطبَي “الثنائي الشيعي” أتى بعدما قام مع شريكه “حزب الله” وبقية القوى المتحالفة مع الأخير بتطيير نصاب جلسات الانتخاب تسع مرات متتالية، ثم اقفال المحضر في كل مرة من اجل تطيير النصاب باستمرار، وذلك بناء على قراءته الخاصة التي تخدم هدف تعطيل انتخاب رئيس جديد. والهدف منه بالتأكيد محاولة احتواء معارضة “التيار الوطني الحر” ترشيح سليمان فرنجية الى حد تعريض جبران باسيل تحت مظلة عمه الرئيس السابق ميشال عون علاقته بـ”حزب الله” لاهتزاز حقيقي من دون ان تنهار علاقة تهمّ الطرفين وتصبّ في مصلحتيهما. بري ومن خلفه “حزب الله” كان مرتاحا الى موقف بعض القوى والنواب الذين يتخفّون خلف شعارات “التغييريين”، أو “لبنان الجديد” أو اسم الدكتور عصام خليفة وغيرها من الأوراق التي تصب في كل مرة في صندوق الاقتراع، واقصد هنا بعثرة الأصوات ريثما تنضج طبخة بري و”حزب الله”، فيصبح السياديون الذين يصوتون كل مرة للنائب ميشال معوض معزولين امام ائتلاف عريض يقوده “حزب الله” لإيصال فرنجية تحت مسميات عدة، منها الحوار، واليد الممدودة، وحماية ظهر سلاح ما يسمى “مقاومة”.

في جلسة الخميس الفائت تراجعت ورقة “حزب الله” التي يطلق عليها اسم “الورقة البيضاء” بعدما انسحب منها نواب “التيار الوطني الحر”. هذا بالتحديد ما حدا بنبيه بري الى إعادة اقتراح اجراء حوار حول شخص الرئيس لتطويق النكسة الموقتة بفعل الخلاف بين الحلفاء. طبعا نحن لا نقيم وزناً لـ”عنتريات” جبران باسيل بوجه مظلته في البلد. فإذا كان استطاع ان يستدرج كتلاً مسيحية لتبنّي موقفه بوجه انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة برئاسة نجيب ميقاتي، فإن خلافه الشخصي مع “حزب الله” المتصل بطموحاته الجامحة لا يتعدى اسم سليمان فرنجية. باسيل مستعد لأي اسم من الأسماء التي تسمى “الوسطية” ويرتاح اليها بعد الانتخابات الرئاسية. من ناحيته يهدف بري كما قلنا الى تطويق باسيل وتياره، ثم الى محاولة اقناع من ليسوا في صفوف “الممانعة” باعتماد خيار فرنجية الذي بدأ يتحرك بمباركة “حزب الله” على اكثر من صعيد، والأهم على الصعيد العربي، لا سيما في محاولة لاختراق الموقف السعودي الذي سيحكم من الناحية العملية خيارات عدد كافٍ من النواب عندما تحين ساعة الحسم الرئاسي.

عمليا، لا هدف لحوار بري سوى العمل على زيادة حظوظ فرنجية. وليس في حسابات بري و”حزب الله” مباشرة حوار للتوصل الى اسم آخر غير فرنجية. السلوك التعطيلي واضح للعيان ولا يحتاج الى تأويل. يريدون فرض مرشحهم للرئاسة بعدما فرضوا الأول عام 2016. يومها لم يكن بري في وارد تأييد ميشال عون لكنه اجبر على ذلك، واشتبك معه في حرب طوال ستة أعوام لم تنته حتى بخروج عون من قصر بعبدا. هذه المرة التقى بري مع “حزب الله” على اسم فرنجية فهو يرضي التركيبة القديمة للسلطة والحكم، وفي الوقت عينه لا يخرج في المفاصل المهمة عن طاعة “حزب الله” ومحور ما يسمى “المقاومة”!

في نهاية المطاف، ان فكرة الحوار حول الاستحقاق الرئاسي التي عارضناها في المرة الأولى ليست اكثر من مناورة بين الحلفاء المتنازعين في ما بينهم، ولا هدف نهائيا لرئيس مجلس النواب منها سوى إيصال مرشح المحور الذي تقوده ايران إقليميا ، و”حزب الله” محليا! انه حوار في اتجاه واحد ليس اكثر.

 

علي حمادة – النهار