انتهى مؤتمر “بغداد – 2” الذي عُقد يوم الثلثاء في البحر الميت. العنوان العريض كان أمن العراق واستقراره بمساعدة دول الجوار، الى عناوين أخرى أقل بروزا لكنها ربما كانت اكثر أهمية كونها اكثر عملية ولا تغلب عليها صفة العناوين الفضفاضة. في هذا السياق، يمكن إدراج التصريح الذي ادلى به وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان قائلا ان نظيره السعودي (الأمير فيصل بن فرحان) اكد له ان بلاده مستعدة لاستئناف الحوار مع ايران. إنْ صحّ الخبر، وما من سبب لكي يقول عبد اللهيان كلاما غير صحيح، يكون الخبر الأهم الصادر عن المؤتمر. فالمواقف اللفظية الداعمة لاستقرار العراق تملأ الصحف ونشرات الأخبار المتلفزة، ومع ذلك فإن أمن العراق واستقراره لا يزالان في مهب الريح أكان بسبب الاعتداءات الخارجية على سيادته، أم الاعتداءات الداخلية على مشروع الدولة والسلم الأهلي للمجتمع العراقي. من هنا نتوقف عند موضوع الحوار السعودي – الإيراني الذي عُقدت في سياقه خمسة اجتماعات بين وفود من البلدين غلب عليها الطابع الأمني، وكان آخر اللقاءات في نيسان الماضي عندما جرى تسريب معلومات مفادها ان الاجتماع السادس قد يرتقي الى لقاء بين وزيرَي خارجية البلدين، مما يضفي على اللقاء الطابع السياسي والديبلوماسي، ويكون انعكاسا لتقدم معيّن. هذا الامر لم يحصل. مرت ثمانية شهور من دون ان يُضرب موعد لاجتماع جديد. وفي الاثناء دخل العراق ابتداء من شهر أيار الماضي في دوامة نزاعات سياسية وامنية كان بطلها التيار الصدري وخصومه وفي مقدمهم حلفاءُ ايران في البيئة الشيعية المنضوون ضمن “الاطار التنسيقي”.
لكن ما حصل على هامش مؤتمر “بغداد -2″، وتحديدا احتمال اطلاق جولة حوار بين القوتين الاساسيتين في المنطقة صار اقرب الى الواقع. وقد يكون الراعي الفرنسي للمؤتمر لعب دورا معينا في هذا الاطار. هنا عامل مهم يمكن ان ينعكس على الساحة اللبنانية، وخصوصا ان البلاد تعاني من شغور رئاسي صعب، إضافة الى ان الحكومة غير مكتملة الاوصاف، ومحدودة الصلاحيات، والازمة المالية -الاقتصادية مهولة. ومعلوم ان المعادلة الجديدة التي تبلورت في اعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة، وخروج ميشال عون من سدة الرئاسة بانتهاء ولايته، تعكس تراجعا معينا في قدرة ذراع ايران المحلية، أي “حزب الله”، على التحكم في اللعبة السياسية اللبنانية كما في السابق. يبدو الامر جليا من خلال الانقسام والتشتت في مجلس النواب، الامر الذي يعرقل في مكان ما إمكان فرض رئيس جديد للجمهورية منتمٍ الى فريق “حزب الله”. هنا تعود للمعادلة الإقليمية أهميتها، حيث انها قد تفرض توازنا جديدا في البلاد من شأنه ان يحيّد موقع رئاسة الجمهورية فيتحرر من قبضة “حزب الله”.
الحوار السعودي – الإيراني لا بد من ان يتطرق في وقت ما الى الملف اللبناني. ايران قوية في لبنان لكنها غير قادرة راهنا على ابتلاع البلاد بأسرها. العامل العربي الذي تتصدره السعودية يستطيع ان يلعب دورا لاعادة فرض توازن في المعادلة اللبنانية. وإحدى قنوات الدور هي الحوار مع طهران إنْ حصل.
في مطلق الأحوال، بات معلوما ان حل ازمة الشغور الرئاسي سيأتي من الخارجَين الإقليمي والدولي. اما الأطراف المحليون فلهم ان يترجموا التسوية الخارجية متى تمّت.
علي حمادة – النهار